20-05-08, 08:17 PM
|
|
إسرائيل فقدت القدرة على العودة إلى غزة
بقلم: امير اورن
يشغل اللواء نير بارس، رئيس ادارة التنسيق والارتباط في الجيش الاسرائيلي في ايرز، احد المناصب الاكثر احباطا في الشرق الاوسط. ليس هناك اي شيء حلو المذاق في هذا المنصب. يعمل بارس على منع حدوث كارثة انسانية كبيرة في غزة، وفي الوقت ذاته دفع الغزاويين الى اتهام "حماس" بالضائقة التي يعانون منها. عليه ان يقنع القيادة العسكرية بضبط النفس وعدم استخدام القوة من أجل حاجة ميدانية ملحة لاحتمالية معينة لمستقبل اكثر هدوءا بعد جيل او اثنين، وتجسيد "ثمن الخسارة" الذي يدفعه الفلسطينيون بسبب قبولهم بالسماح للمنظومة الصاروخية بالعمل من بين صفوفهم.
في الشهر الماضي خرج بارس في حملة اعلامية في مقر الامم المتحدة في نيويورك. المستمعون من ممثلي الدول والمسؤولين في الامم المتحدة أبدوا الاهتمام بذلك، إلا انهم ردوا عليه بعجز وضعف. من المقدر للجمل أن يظل حاملاً حمله الثقيل، وليس من الممكن إلا إبعاد القشة الاضافية التي ربما تقصم ظهره، فهذا الوقت ينفد بسرعة. اندفاعية مساعي الضبط التي يبذلها الارتباط في "المناطق"، بما في ذلك ادارة الارتباط في ايرز تتمحور حول دق اسفين بين السكان الذين يتحملون المعاناة وبين قيادة اسماعيل هنية اللامبالية التي تبلور نوعاً من الاستبداد الذي ميز حكم "فتح"، لكن أذرع اسماعيل هنية الامنية اطول انفاً.
الفلسطينيون سمعوا من اللواء احتياط بارس ان الخيارات المتمثلة أمامهم هي "انتعاش التصدير او قذائف راجمات" و"توت أو قسام". هم يعرفون ان استعدادات المزارعين لاستغلال عام العزوف عن الزراعة اليهودية قد سقطت ضحية لـ "الارهاب" وتحولت الى خسارة كبيرة في الوقت الذي ارتفعت فيه اسعار الخيار والبندورة في تل ابيب وصولا الى 10 شواقل للكيلو الواحد. تسببت هجمات "حماس" على المعابر الحدودية باغلاقها واغرقت غزة بالصناديق التي يبلغ سعرها خمسة شواقل، وفي كل واحد منها 14 كيلوغراما. هناك منطق في جنون الهجمات على شريان الحياة: خنق المعابر مع اسرائيل سيزيد الضغوط لفتح معبر رفح. ليس من اللطيف والمريح الاعتراف بذلك، الا ان المعطيات تشير الى ان الاحتلال الاسرائيلي يحسن الى غزة. المدى العمري البالغ 48 سنة في حرب حزيران أصبح اليوم اكثر من 72 سنة؛ اكثر من المدى العمري في مصر التي لم تتكرم عليهم ابان حكمها العسكري للقطاع، وفقا لدراسة دانيال نداف من وزارة الدفاع.
قضية مواجهة الصواريخ ما زالت حتى اليوم مسألة موارد وأولويات، رغم ان استخدام التكنولوجيا المتطورة المكلفة قادر على تقليل الخسائر بالارواح في غزة، واستقبال المستشفيات الإسرائيلية للمرضى الفلسطينيين أدى الى هبوط حاد في نسبة الوفيات من المسنين الى الرضع. كانت لهذا التطور الايجابي نتائج سلبية ايضا؛ الاكتظاظ المتزايد النابع من التكاثر الطبيعي والامراض الاكثر انتشاراً في التجمعات التي غيرت عاداتها الاستهلاكية وتقدمت في السن. (في 1967 كان هناك 60 الف غزاوي مسن).
لا يتوجب ان يكون هناك شك بعد ثلاث سنوات من اخلاء غزة من مستوطنيها: الجلاء العسكري فشل، وان كان الجلاء المدني ضروريا لأن الاستيطان كان مرفوضا من اساسه. غزة نصب للفشل المستمر الذي وقعت فيه جهات الدفاع من الاستخفاف الطويل في الاستثمارات البحثية والتنمية والتزود بوسائل اعتراضية. تبددت نقطة اللاعودة التي امل دعاة الجلاء عن غزة في وضعها، وبدلا منها جاءتنا نقطة اللاعودة في الاتجاه المعاكس ــ "العودة" الى غزة. الثمن السياسي الذي طالب به شارون هو موافقة بوش على ابقاء الكتل الاستيطانية في الضفة مع تفسير مبهم للموافقة الاميركية على توسيعها وسرعان ما سنتلاشى مع صعود ماكين او اوباما الى سدة الحكم. شروط "حماس" لوقف اطلاق النار لا تقترب من الشروط الإسرائيلية.
الدخول العسكري الى غزة يراوح مكانه حتى الان لأن الجيش طالب المستوى السياسي ببلورة "استراتيجية خروج" اولا. الان كفت هيئة الاركان عن انتظار ذلك. ان كان فك الارتباط هو استراتيجية الخروج من غزة فالخطة الوحيدة التي يبلورونها الان فعلا هي استراتيجية الخروج من استراتيجية الخروج.
عن "هآرتس"
|