31-08-09, 12:34 AM
|
|
28 من ذي الحجة 63هـ ـ 29 أغسطس 683م
بعد وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، تولى الأمر بعده ولده يزيد ولم يكن على مستوى أبيه ولا في السن المناسب لوجود أعيان المسلمين والصحابة وقتها أمثال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير ورأس آل البيت الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، لذلك نجد أن الكثير لم يكن راضيًا عن خلافة يزيد، ولكنهم آثروا السكوت والسلامة حرصًا على وحدة الصف المسلم، ولكن بقي اثنان لم يبايعا وهما الحسين بن علي وابن الزبير وقد خرج كلاهما من المدينة وأقاما بمكة([1]).
خرج الحسين إلى العراق ظانًا منه أن أهلها سينصرونه فخذلوه وغروه وتركوه وحده يواجه جيش عبيد الله بن زياد، وانتهى خروجه بكارثة هائلة أصابت أمة الإسلام، حيث قتل هو ومعظم أفراد بيته، وبعدها بدأ ابن الزبير يدعو لنفسه ويؤلب الناس على يزيد ويذمه ذمًا شديدًا حتى مال إليه أهل الحرمين، وسخط أهل المدينة خاصة على يزيد وذلك بعد أن عزل والي المدينة القوي «عمرو بن سعيد» وعيَّن مكانه شابًا صغيرًا ليس أهلاً لهذا المنصب، فاستخف به أهل المدينة، فقام وفد من أهل المدينة سنة 62هـ بزيارة دمشق واجتمعوا مع الخليفة يزيد الذي أغدق عليهم الأموال ليستألف قلوبهم الساخطة، ولكن بلا فائدة.
عاد وفد أهل المدينة إليها وقد أجمعوا على خلعه وأظهروا شتم يزيد وعيوبه وأشاعوا عليه المنكرات وفعل المحرمات، وقام فيهم عبد الله بن مطيع خطيبًا وقال: «قد خلعت يزيدًا كما خلعت عمامتي هذه» وألقاها من على رأسه، فتابعه الناس على ذلك وأخرجوا والي المدينة من بين أظهرهم، وقاموا بمحاصرة بيوت بني أمية وكانوا ألف رجل، ووصلت الأخبار ليزيد بن معاوية فغضب غضبًا شديدًا لسابق إحسانه لأهل المدينة، فطلب منه «النعمان بن بشير» رضي الله عنه أن يأذن له بالتوجه إلى المدينة لإقناع أهلها بالعدول عن هذا العصيان، وبالفعل ذهب النعمان إليهم ولكنه فشل في إقناعهم، وعندها قرر يزيد إرسال جيش كبير من أهل الشام لتأديب أهل المدينة وجعل على قيادة هذا الجيش رجلاً غشومًا ظلومًا جلفًا من الأعراب وهو «مسلم بن عقبة المري»، والذي سماه السلف بعد وقعة الحرة «مسرفًا».
لم يوافق كبار أهل المدينة على الاشتراك في هذه الثورة أمثال ابن عمر وعلي زيد العابدين ومحمد بن الحنفية والأخير قد ناظر قادة الثورة وألزمهم الحجة ولكنهم أبوا إلا الاستمرار .
وصلت أخبار قدوم هذا الجيش لأهل المدينة فأجلوا بني أمية من بين أظهرهم، وذلك بعد أن أخذوا عليهم العهود والأيمان المغلظة ألا يدلوا على عورات ومداخل المدينة، ولكن في الطريق أخذهم مسلم بن عقبة جميعًا وأخذ يضغط عليهم ويهددهم بالقتل إذا لم يدلوا على نقاط ضعف المدينة، فدل عبد الملك بن مروان على عورة المدينة، فاكتفى بإجابته عن سؤال باقي بني أمية، وعدَّ ذلك غدرًا وعيبًا من عبد الملك ولكنه كان مكرهًا.
استعد أهل المدينة للقتال وكان أول الوهن أن جعلوا عليهم قائدين: عبد الله بن حنظلة الغسيل على الأنصار، وعبد الله بن مطيع على المهاجرين، ثم حفروا خندقًا عميقًا حول المدينة على نمط خندق الأحزاب، وفي يوم 25 من ذي الحجة سنة 63هـ بدأ جيش الشام حصاره لأهل المدينة وأمهلوهم ثلاثة أيام حسب وصية يزيد لعل الثوار يعودون عن عصيانهم، ولكن أهل المدينة أصروا على القتال.
وفي يوم 28 من ذي الحجة هجم جيش الشام الضخم على المدينة، ورغم بسالة أهل المدينة إلا إنهم لم يصمدوا طويلاً في القتال ووقعت هزيمة فظيعة على أهل المدينة قتل فيها الكثير من سادتها وأعيانها وقتل العديد من الصحابة، وأسرف مسلم بن عقبة في سفك الدماء وفعل الفظائع ضد أهل المدينة، ولكن خبر استباحة المدينة لمدة ثلاثة أيام والذي ذكره الطبري في تاريخه لا يصح، فسنده به عدة متهمين بالوضع والكذب والرفض.
كانت هذه المعركة سببًا لجرح لم يندمل لعشرات السنين بين عرب الشام وعرب الحجاز وثارت فتنة عصبية قبلية امتدت آثارها من العراق إلى الحجاز حتى بلاد الأندلس، وقد أخطأ أهل المدينة في ثورتهم ضد يزيد بن معاوية وهو قد أخطأ بدوره عندما رماهم بهذا القائد الغشوم الظلوم الجهول مسلم «مسرف» بن عقبة
|