23-03-24, 08:39 PM
|
|
|
صدفة ... ونيف
( ١)
لايوجد هنالك شي اسمه " صدفة " بهذه الحياة
(٢)
حثثت الخطى سريعاً نحو مكان اللقاء
فمنذ ان تقاطع طريقي مع طريقه ذات يوم
وانا حريص كل الحرص على اللقاء به والحديث معه في موعدنا المحدد من كل أسبوع وان لا افوت على نفسي هذا اللقاء .
وجدته جالساً على مقعد في جانب الحديقة
ونظره مرفوعة إلى السماء تطارد سحابة تتدحرج في اﻷفق البعيد
اقتربت بهدوء وجلست بجانبه ولم اتحدث بشيء خشية ان قاطعه
مضت لحظات وهو على هذه الحال وعيناه تتقافز راكضة خلف تلك السحابة
فاطلقت العنان لناظري وتركتها تتراكض خلف تلك السحابة كما هو يفعل
مضت لحظات أخرى من الزمن .
ثم سمعته يلتهم جرعة كبيرة من الهواء ويقذف بها داخل قفصه الصدري
التفت الي واﻻبتسامة تعلو محياه كعادته وقال :
هل تتوقع أن هذه السحابة تسيرها الصدفة المحضة نحو مستقرها ؟ ، ام انها تتحكم بها قوة الرياح واتجاهاتها والمنخفضات والمرتفعات الجوية ؟ ، وهل الرياح والمنخفضات والمرتفعات الجوية تتحكم بها الصدفة ايضاً ؟
باغتني سؤاله وعلتني الحيرة وأخذت اعصر ذهني بحثاً عن الجواب ، ولاحظ ذلك من انعقاد حاجبي المعلقة على جبيني فقال لي :
لا عليك ياصديقي الطيب تجاوز عن هذا السؤال اﻵن .. وصمت فصمت معه .
مضت لحظات وانا اقلب اﻻفكار في راسي وانظر إلى طرف حذائي واراقب نملة تجول حوله وتشتمه
فخطر في ذهني سؤال وانا اراقبها : ياترى هل تفكر هذه النملة ان تحملني إلى جحرها ؟
قاطعني صوته وهو يتدفق من جديد ويقول : ماذا تتوقع ان يكون أكبر عدو للإنسان ؟.
- الخوف !
- امممممم حسناً لو وافقت على اجابتك هل يكون الخوف سبب ام نتيجة ؟
- نتيجة طبعاً
- اذا ليس الخوف هو العدو اﻻول فهنالك امر آخر يتقدمه
- ما هو اذاً
- انه التعلق ياصديقي الطيب الد واشرس اعداء انسان على هذه اﻻرض !
ارتفعت حواجبي المعلقة بجبيني وانا اردد : التعلق كيف ذلك ؟ هل تشرح لي
اجابني : نعم انه التعلق مصدر كل شر وبلاء للانسان على وجه هذه البسيطة ، فالتعلق هو الشجرة اﻻم لاي بلاء يصيب الانسان وما ان ينبت ساقها ويشتد ويتجذر داخله حتى تتفرع منه فروع لاتقل في مستوى خطورتها عنه .
- وما هي هذه الفروع ؟
- دعني أسألك اولا ماذا تتوقع أن تكون هذه الفروع ؟
- اخذت اهرش جانب راسي وانا افكر ماذا تكون ثم جاوبته : لا أعلم
- حسناً عندما يحدث عند انسان تعلق في اي شيء بهذه الحياة فتلقاياً سوف يبرز من جذره فرعين أساسيين وهما موت الضمير والظلم ليكتمل عندها الثالوث المدمر ، فعندما يتعلق انسان باي امر من أمور الحياة المعاشة ( أموال - الجنس اﻻخر - أبناء - عائلة - وجاهة - مناصب - الخ ) ومن أجل أن لايفقد هذا اﻻنسان ما تعلق به فسوف يقاتل من أجل بقائه بحوزته ولو أدى ذلك موت ضميره والذي سوف يؤدي بدوره إلى انتقال للفرع الثاني وهو الظلم ، - ابتداء من نفسه ونهاية بمن يقطن هذا العالم من بشر وشجر وحجر - ، فالإنسان المتعلق هو عبد مملوك لما تعلق به وليس له من الحرية والتي هي ماء الحياة للانسان سوى اسمها وشكلها الظاهري ، ولكنه في الحقيقة فاقد لها ، فمن وقع في فخ التعلق وقبل به مهما كان لونه او طعمه او رائحته فقد حكم على نفسه بالموت ولو بقي قرون على قيد الحياة .
- وكأنك تدعو إلى أن نكون دراويش في هذه الحياة يامولانا ؟!
انطلفت منه ضحكة مجلجلة واحنى رأسه يتأمل اﻻرض التي أمامه
التزمت الصمت وطفقت انا اﻵخر اتأمل أطراف حذائي وابحث عن النملة التي وجدتها ما زالت تدور حول حذائي ، ثم اتخيل نفسي وانا ممدد وملقى على ظهرها وفي أحد قدمي حذائي واﻻخرى عارية بدون حذاء وهي تركض بي سريعاً نحو جحرها .
ايقظني صوته من خيالاتي الجامحة مع النمل وهو يقول : هنا يكون المنزلق الخطير ياصديقي الطيب ، فالحياة لم نوجد بها اﻻ لنعمرها ولنقطف ثمار خيراتها الدنيوية وهذا يعني ان نسعى نحو تحقيق اهدافنا واحلامنا لكن بشرط واحد وهو ان يكون هذا اﻻمر دون تعلق بالأهداف واﻻحلام ، فان يبذل الانسان قصارى جهده لتحقيق هدف هو امر محمود جدا بل ومطلوب وقاعدة اساسية لكن الخطورة هي ان ينزلق نحو التعلق بهذا الهدف ويتحول إلى محور وقاعدة ينظر منها إلى كل شيء يحيط به ، فحينها سيكون مجرد عبد لهذا الهدف او الحلم وسوف يولد من رحم هذا التعلق موت الضمير والظلم كما قلت سابقا .
- اها اﻵن اتضحت لي الصورة يامولانا
ثم نهض من مقعده ونهضت معه وهو يقول : جميل جدا أن اتضحت لك الصورة التي أردت ايصالها ، ولكن هل تتوقع أن يكون لقائي بك اول مرة هو من قبيل الصدفة ؟
فاجأني سؤاله ثم قال لي وهو يلوح بيده مودعاً : فكر بالأمر إلى نلتقي بالأسبوع القادم ...
|
التوقيع
|
|
 |
|
 |
|
قديما قالوا :- لكل كلمة أذن , ولعل أذنك ليست لكلماتي
فلا تتهمني بالغموض ... |
|
 |
|
 |
|
|