منتديات قصيمي نت

منتديات قصيمي نت (http://www.qassimy.com/vb/index.php)
-   من ذاكرة التاريخ (http://www.qassimy.com/vb/forumdisplay.php?f=73)
-   -   (((((((((((((موسوعة معارك اسلامية)))))))))))) (http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=131093)

AbduLraHmN 24-05-07 03:40 AM

(((((((((((((موسوعة معارك اسلامية))))))))))))
 
معركة ساحة الدم النصر حليف الوحدة
http://www.islamonline.net/Arabic/hi...ages/pic01.jpg
صورة متخيلة لاقتحام الصليبيين بيت المقدس
أسفرت الحملة الصليبية الاولى على المشرق الإسلامي عن قيام أربع إمارات، كانت أسبقهن في الظهور إمارة الرها التي قامت في (ربيع الأول سنة 491هـ= فبراير 1098م)، وتلا ذلك قيام إمارة أنطاكية في (رجب 491هـ= يونيو 1098م)، ثم مملكة بيت المقدس في (شعبان سنة 492هـ= يوليو 1099م)، ثم مملكة طرابلس في (ذي الحجة سنة 502هـ= يوليو 1109م).
وكان هذا النجاح اللافت الذي حققته الحملة الصليبية في سنوات معدودة لا يعود إلى خطة محكمة أو إرادة صلبة أو قيادة حكيمة أو عدد وفير أو عتاد هائل بقدر ما كان راجعا إلى تهاون من المسلمين واستخفافهم بعدوهم، وإلى الانشغال بخلافات وأهواء شخصية ومطامح ضيقة ومطامع صغيرة.
وكان ما كان، وألفى المسلمون أنفسهم ورايات الصليب ترفرف على بيت المقدس ومدن الساحل الشامي وهم لا يحركون ساكنا، وعجزت المحاولات التي قام بها بعض قادة المسلمين عن تحرير الأرض المغتصبة وإعادة الحق إلى أهله، وبقي الأمر كما هو عليه، وهو ما جعل الناس يتحركون للبحث عن مخرج من الأزمة، ولكنه كان حراكا ضعيفا اكتفى بالبكاء والعويل، وهذا هو شر سلاح يلجأ إليه الإنسان المكبل بالأغلال، العاجز عن التغيير، وهذا ما عبر عنه الشاعر الكبير أبو المظفر الأبيوردي وكان معاصرا لتلك النكبة فقال:
وشر سلاح المرء دمع يفيضه
إذ الحرب شبّت نارها بالصوارم
وكيف تنام العين مـلء جفونها
على هفوات أيقظـت كل نـائم
وإخوانكم بالشام أضحى مقيلهم
ظهور المَذَاكِي أو بطون القَشَاعِم
تسومهم الرومُ الهوانَ وأنتمُ
تجرون ذيل الخفض فعل المُسالم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى
رماحهم والدين واهي الدعائم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى
ويغضي على ذل كماة الأعاجم
والمَذَاكِي الإبل، والقَشَاعِم النسور.
سقوط أنطاكية
بعد أن تواترت الأنباء بسير الحملة الصليبية الاولى وأنها في طريقها إلى الشام وأن أنطاكية هي هدفها، أسرع حاكمها "ياغي سيان" بالاستعداد لساعة الحسم، فأعد مدينته كي تتحمل حصارا طويلا، فملأ قلاعها بالمقاتلين والمجاهدين ومخازنها بالمؤن والطعام، وحفر خندقا لحمايتها وتحصينها، وزيادة في الاحتياط أرسل إلى الخليفة العباسي وحكام دمشق وحمص والموصل يطلب منهم النجدة والمساعدة.
وبدأت طلائع الصليبيين تتوافد على المدينة في (شهر ذي القعدة سنة 490هـ= أكتوبر 1097م) وضربت حصارا حول المدينة، ودارت عدة اشتباكات خفيفة بين ياغي سيان والصليبيين لم تحسم أمرا أو تغير وضعا، وجاءت أول نجدة للمدينة بعد ثلاثة أشهر من "دقّاق" والى دمشق، لكنها عجزت عن تحقيق النصر وفك حصار المدينة، ولم يكن حظ النجدتين الحلبية والموصلية بأفضل حالا من نجدة دمشق، وانتهى الأمر بسقوط المدينة التي صمدت للحصار نحو تسعة أشهر في (1 من رجب 492هـ= 3 من يونيو 1098م).
دخل الصليبيون المدينة وحصلت مذبحة رهيبة راح ضحيتها أعداد كبيرة من الرجال والنساء، وغرس بوهيمند قائد الحملة علمه القرمزي فوق القلعة إيذانا بسقوط المدينة، في الوقت الذي كانت تدوي فيه صيحات جنود الصليبيين "إنها إرادة الله".
أنطاكية إمارة صليبية
أوربان الثاني يستنفر الرعاع
وهكذا نتيجة لانقسام المسلمين وتفرق كلمتهم استولى الصليبيون على أنطاكية ليقيم فيها بوهيمند النورماندي ثاني إمارة صليبية في الشرق، ويفتح الطريق للاستيلاء على بيت المقدس وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل.
بدأ الحاكم الجديد يرسي أركان إمارته ويثبت دعائمها على حساب جيرانه المسلمين، وتطلع إلى حلب للسيطرة عليها فأعد خطة لها، لكنها لم تنجح في تحقيق هدفه؛ إذ وقع في الأسر في إحدى حملاته العسكرية سنة (493هـ= 1100م)، وظل في أسره نحو ثلاثة أعوام، وخرج بعدها ليعاود توسعاته على حساب جيرانه المسلمين المشغولين بقتال بعضهم.
ثم طمع في الاستيلاء على "حران" لتأمين إمارته، واستعد لغزوها، لكنه مني بهزيمة مدوية، راح ضحيتها آلاف من جنده، ووقع في الأسر عدد من أمراء الصليبيين، وأفقدته الهزيمة ثقته وطموحه فآثر العودة إلى إيطاليا، وترك إمارة أنطاكية لابن أخته الأمير تنكريد في (سنة 498هـ= 1104م)، وكان رجلا شجاعا وقائدا عسكريا بارعا، استطاع أن يعيد لأنطاكية ما فقدته بعد هزيمتها في حرّان على حساب مدينة حلب.
وصار الأمير تنكريد هو صاحب السلطة في المنطقة الممتدة من جبال طوروس إلى وسط بلاد الشام، وهو ما أزعج حكام الشام المسلمين، وجعلهم يتطلعون إلى إقامة حلف بينهم لمجابهة هذا الخطر الداهم، لكنه لم يفلح في التصدي والوقوف في وجهه، بسبب الفرقة والحرص على المصالح الشخصية التي جعلت بعضهم يدفع الجزية لأمير أنطاكية عن يد وهم صاغرون، وبعضهم الآخر يدخل معه في حلف ضد إخوانه المسلمين.
وبعد وفاة تنكريد في (8 من جمادى الآخرة 506هـ= 12 من ديسمبر 1112م) خلفه في حكم أنطاكية روجردي سالرنو، ولم يكن أقل من سلفه طاقة ومهارة وجرأة، فألحق بالمسلمين هزيمة كبيرة في معركة تل دانيث في (23 من ربيع الآخر سنة 509هـ= 14 من سبتمبر 1115م). وعد هذا النصر أهم انتصار حققه الصليبيون منذ الحملة الصليبية الأولى.
حلب في خطر
وكانت مدينة حلب ذات أهمية بالغة لمن يريد مجابهة الصليبيين وإيقاف خطرهم؛ بسبب موقعها الحيوي، فهي تقع في مركز حصين بين إمارتين صليبيتين هما الرها وأنطاكية، بالإضافة إلى ما تتمتع به من مزايا بشرية واقتصادية وخطوط مواصلات، تسمح بالاتصال بالقوى الإسلامية المنتشرة في الجزيرة والفرات والأناضول وشمالي الشام وأوسطه مما يعد أساسيا لاستمرار حركة الجهاد، ولم تكن كل هذه الأمور خافية على قادة الأمراء الصليبيين الذين كانوا يتابعون أحوالها عن كثب وينتظرون الفرصة للاستيلاء عليها.
وكانت أحوال حلب في هذه الفترة غير مستقرة، وبدأ الضعف يدب فيها بعد وفاة حاكمها "رضوان بن تتش" سنة (507هـ= 1113م) وخلفه في حكمها أبناؤه، وكانوا ضعافا غير قادرين على تسيير شئون البلاد، فتحكم فيهم أوصياؤهم، وصارت حلب سهلة المنال، فتحالف روجر أمير أنطاكية مع كبار مسئوليها كي يمنع إيلغازي صاحب مردين من الاستيلاء عليها وضمها إلى دولته، ووصل الأمر بحلب أن أصبح المسئولون عنها يعتمدون على روجر الصليبي في رد الطامعين في الاستيلاء عليها من أمراء المسلمين.
ولم تأت سنة (511هـ= 1118م) حتى صارت حلب تحت رحمة أنطاكية، وهو ما جعل أهلها يستنجدون بإيلغازي بن أرتق، وكان واحدا من أبرز المجاهدين ضد الوجود الصليبي في بلاد الشام، وقامت سياسته على أساس التحالف مع الأمراء المسلمين ضد الصليبيين.
الوحدة سبيل النجاح
ولما قدم إيلغازي إلى حلب قام بعدة إجراءات إصلاحية وسيطر على أمور البلدة، وصادر أموال الأمراء الذين كانوا قد سيطروا على شئون حلب في الفترة السابقة، واستعان بها في حشد قواته من التركمان لمجابهة الصليبيين.
وقام بتوحيد العمل مع طفتكين حاكم دمشق التي لم تسلم من اعتداءات الصليبيين، فذهب إليه في دمشق، واتفقا على حشد قواتهما والبدء بمهاجمة أنطاكية، وحددا شهر صفر من سنة (513هـ= 1119م) موعدا للاجتماع.
غير أن إيلغازي كانت حركته أسرع من حركة حليفه، فاستطاع أن يحشد أكثر من عشرين ألفا من مقاتلي التركمان، واتجه بهم إلى الرها، فتخوف أمراؤها الصليبيون، وأرسلوا إليه يطلبون مصالحته نظير تنازلهم عن أسرى المسلمين الذين في حوزتهم، فأجابهم إلى ذلك، واشترط عليهم البقاء في بلدهم وعدم التوجه لمساعدة أمير أنطاكية في حالة حدوث قتال معه، وكانت هذه خطوة صائبة من إيلغازي تمكن بموجبها من عزل إحدى القوى الصليبية الكبيرة.
ثم عبر إيلغازي وحلفاؤه الفرات وهاجموا "تل باشر" و"تل خالد" والمناطق المحيطة بهما، وانتشرت قوات إيلغازي في مناطق وجود الصليبيين، واستولى على حصن قسطون، ثم مدينة "قنسرين" التي اتخذها قاعدة لشن الغارات على "حارم" وجبل "السماق".
اللقاء الحاسم
ولما شعر "روجر" أمير أنطاكية بالخطر الذي يتهدده اضطر إلى طلب النجدة من "بونز" أمير طرابلس ومن بلدوين الثاني ملك بيت المقدس، وعسكر خارج أنطاكية في انتظار المدد من رفاقه الصليبيين، لكنه لم يصبر لحين وصول النجدة، وتقدم صوب القوات الإسلامية على رأس ثلاثة آلاف فارس، وتسعة آلاف راجل، وعسكر في "تل عفرين" وهو موضع ظن روجر أنه مانعهم من هجمات المسلمين حتى تأتيهم الإمدادات.
وفي الوقت نفسه كانت عيون إيلغازي تأتي إليه بأخبار روجر وجيشه، وكانت جماعة من جواسيسه قد تزيت بزي التجار، ودخلت معسكر الصليبيين لمعرفة استعداداته، وأراد إيلغازي أن ينتظر حليفه طفتكين القادم من دمشق قبل الدخول في المعركة، لكن أمراءه رفضوا وحثوه على قتال العدو، فأسرع بالسير إلى ملاقاة أعدائه، الذين فوجئوا بقوات المسلمين تحيط بهم في فجر السبت الموافق (16 من ربيع الأول 513هـ= 28 من يونيو 1119م)، ودارت معركة هائلة لم تثبت في أثنائها قوات الصليبيين وتراجعت أمام الهجوم الكاسح، وسقط آلاف القتلى من هول القتال، وكان من بينهم روجر نفسه.
ولكثرة القتلى اشتهرت هذه المعركة لدى مؤرخي الصليبيين باسم معركة ساحة الدم، وفضلا عن القتلى فقد وقع في أيدي المسلمين من السبي والغنائم والدواب ما لا يحصى.
وبعد المعركة نزل إيلغازي في خيمة روجر وحمل إليه المسلمون ما غنموه فلم يأخذ منهم إلا سلاحا يهديه لملوك الإسلام، ورد عليهم ما حملوه بأسره، وكتب إلى سائر أمراء المسلمين يبشرهم بهذا النصر العظيم.
واكتفى إيلغازي بهذا النصر، ولو توجه إلى أنطاكية لما استعصى عليه فتحها لأنها كانت خالية من الجند، ولاحتل مكانة أرسخ وأكثر شهرة في الحروب الصليبية، ولكن قدر لهذه المدينة أن تبقى بعد ذلك حوالي قرنين من الزمان حتى فتحها المماليك
(وادي المخازن )(معركة الملوك الثلاثة)
<FONT face="Arabic Transparent" size=4>عرف التاريخ الإنساني عددا من المعارك الفاصلة التي كانت نقاط تحول تاريخية نتيجة للآثار الإستراتيجية البعيدة التي تركتها تلك المعارك، حيث كانت بمثابة القسمات على وجه التاريخ، وحفرت وقائعها فضلا عن أسمائها في الذاكرة الإنسانية.

MARISOLE 24-05-07 01:28 PM

http://www.alamuae.com/gallery/data/media/123/0171.gif

جوال 2000 27-08-09 01:37 AM

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

AbduLraHmN 27-08-09 01:53 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة •·.·`¯°·.·• (ورد) •·.·°¯`·.·• (المشاركة 2297013)


اهلابك مشرفتنا

AbduLraHmN 27-08-09 01:53 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوال 2000 (المشاركة 5607971)
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

ماشاء الله عليك الموضوع من 2007

لكن والله عشان هذا الرد تشجعت وبكمل

AbduLraHmN 27-08-09 02:01 AM


معركة عين جالوت







لم تتعرض دولة الإسلام لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعبة مثلما تعرضت في القرن السابع الهجري؛ حيث دمّرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، وسفكت دماء المسلمين، وأتت على معالم الحضارة والمدنية، ولم تستطع قوة إسلامية أن توقف هذا الزحف الكاسح، وانهارت الجيوش الإسلامية وتوالت هزائمها، وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف.
وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في أن يتطلعوا إلى مواصلة الزحف تجاه الغرب، وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها، ولم تكن الخلافة في وقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي؛ فخرج هولاكو سنة (651هـ= 1253م) على رأس حملة جرارة، تضم مائة وعشرين ألف جندي من خيرة جنود المغول، المدربين تدريبًا عاليًا على فنون القتال والنزال، والمزودين بأسلحة الحرب وأدوات الحصار، تسبقهم شهرتهم المرعبة في القتل وسفك الدماء، ومهارتهم الفائقة في الحرب، وشجاعتهم وقوة بأسهم في ميادين القتال.
سقوط الخلافة العباسية
اجتاحت قوات المغول الأراضي الإيرانية، ولم تجد ما يعوق حركتها حتى وصلت إلى بغداد، فضربت حصارًا عليها، ولم يكن لها قدرة على رفع هذه الجيوش الجرارة؛ فاستسلمت في خنوع إلى الغازي الفاتك فدخلها في (4 من صفر 656 هـ = 10 من فبراير 1258م)، واستباح جنوده المدينة المنكوبة، وقتلوا السواد الأعظم من أهلها الذين قدروا بنحو مليون قتيل، ولم يكن خليفة المسلمين وأسرته بأسعد حال من أهالي المدينة، حيث لقوا حتفهم جميعًا، وأضرم التتار النار في أحياء المدينة، وهدموا مساجدها وقصورها، وخربوا مكتباتها، وأتلفوا ما بها من تراث إنساني، وأصبحت المدينة التي كانت عاصمة الدنيا وقبلة الحضارة أثرًا بعد عين.
أوضاع الشام قبل حملة هولاكو
كانت بلاد الشام في أثناء تلك المحنة يحكم الأيوبيون أجزاء كبيرة منها، ولم تكن العلاقات بينهم ودية على الرغم من انتسابهم إلى بيت واحد وأسرة كريمة هي أسرة صلاح الدين الأيوبي ، وبدلا من أن توحدهم المحنة وتجمع بين قلوبهم ويقفوا صفًا واحدًا هرول بعضهم إلى هولاكو يعلن خضوعه له، مثلما فعل الناصر يوسف الأيوبي صاحب دمشق وحلب، وكان أقوى الأمراء الأيوبيين وأكثرهم قدرة على مواجهة هولاكو لو رغب، لكنه لم يفعل وأرسل ابنه العزيز إلى هولاكو يحمل إليه الهدايا، ويعلن خضوعه له، ويطلب منه أن يساعده على الاستيلاء على مصر وتخليصها من حكم دولة المماليك الناشئة التي انتزعت الملك من بيته.
لكن هولاكو رأى في عدم قدوم الناصر إليه بنفسه استهانة به، فكتب إليه رسالة غاضبة يأمره بالإسراع إليه وتقديم آيات الولاء والخضوع دون قيد أو شرط، فانزعج الناصر، وأدرك أن مسعاه قد خاب، واستعد استعداد الخائف لمواجهة المغول، وبعث بأسرته إلى مصر.
حملة هولاكو
خرج هولاكو في رمضان (657هـ= 1295م) من عاصمة دولته مراغة في أذربيحان، متجهًا إلى الشام، معه حلفاؤه من أمراء جورجيا وأرمينيا، يقود طلائعه قائده "كيتوبوقا"، متجهين إلى الشام، وكانت ميافارقين بديار بكر أول ما تبتدئ به الحملة الغازية، فصمدت المدينة للحصار مدة طويلة دون أن يفلح المغول في اقتحامها، غير أن طول الحصار ونفاد المؤن وانتشار الأوبئة وهلاك معظم السكان دفع إلى استسلام المدينة.
وفي أثناء الحصار كانت جيوش المغول تستولي على المدن المجاورة، فسقطت ماردين، وحران، والرها وسروج والبيرة، ثم واصل الجيش زحفه إلى حلب وحاصرها حصارًا شديدًا، حتى استسلمت في (9 من صفر 658هـ- 25 من يناير 1260م)، وأباح هولاكو المدينة لجنوده سبعة أيام فعاثوا فيها فسادًا، ونشروا الخراب في كل أرجائها، ولم تكد تصل هذه الأنباء المفجعة إلى دمشق حتى آثر أهلها السلامة بعد أن فر حاكمها الناصر يوسف الأيوبي، وسارعوا إلى تسليم المدينة، وشاءت الأقدار أن يغادر هولاكو الشام ويعود إلى بلاده تاركًا مهمة إكمال الغزو لقائده "كيتوبوقا" فدخل دمشق في (15 من ربيع الأول 658هـ= 1 من مارس 1260م).
الأوضاع في مصر
وكان من نتيجة هذا الغزو أن فر كثير من أهل الشام إلى مصر التي كانت تحت سلطان دولة المماليك، ويحكمها سلطان صبي هو الملك "المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك"، وفي هذه الأثناء بعث الملك الناصر يوسف الذي أفاق بعد فوات الأوان برسول إلى مصر يستنجد بعساكرها للوقوف ضد الزحف المغولي، وكانت أخبار المغول قد انتشرت في مصر وأحدثت رعبًا وهلعًا.
ولما كان سلطان مصر غير جدير بتحمل مسئولية البلاد في مواجهة الخطر القادم، فقد أقدم نائبه "سيف الدين قطز " على خلعه، محتجًا بأنه لا بد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو، والملك الصبي صغير لا يعرف تدبير المملكة، ولم يجد قطز معارضة لما أقدم عليه؛ فالخطر محدق بالبلاد، والسلطان قد ازدادت مفاسده وانفض الجميع من حوله.
رسالة هولاكو
بدأ السلطان قطز يوطد أركان دولته ويثبت دعائم حكمه، فعين من يثق فيهم في مناصب الدولة الكبيرة، وقبض على أنصار السلطان السابق، وأخذ يستعد للجهاد وملاقاة المغول، وسمح برجوع بعض أمراء المماليك من خصومه وكانوا بالشام، وعلى رأسهم بيبرس البندقداري فرحب به، وأحسن معاملته، وأقطعه قليوب ومناطق الريف المجاورة لها، وأغرى قوات الناصر يوسف الأيوبي ـ الذي فر من دمشق وطلب نجدة المماليك بمصر ـ بالانضمام إلى جيشه وكانت بالقرب من غزة، فاستجابت لدعوته.
وفي تلك الأثناء وصلت رسل هولاكو إلى القاهرة تحمل خطابا تقطر كبرا وغطرسة، ويمتلئ بالتهديد والوعيد، ومما جاء فيه: ".. إنا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وسلموا إلينا أمركم.. فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا.. فما لكم من سيوفنا خلاص ولا من أيدينا مناص، فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق...".
الاجتماع التاريخي
وأمام هذا الخطر الداهم عقد السلطان قطز مجلسًا من كبار الأمراء، واستقر الرأي على مقابلة وعيد المغول بالاستعداد للحرب، وعزز ذلك بقتل رسل المغول؛ ردًا على تهديد هولاكو وكان هذا التصرف إعلانًا للحرب وإصرارًا على الجهاد، وفي الوقت نفسه بدأ قطز يعمل على حشد الجيوش وجمع الأموال اللازمة للإنفاق على الاستعدادات والتجهيزات العسكرية، وقبل أن يفرض ضرائب جديدة على الأهالي جمع ما عنده وعند أمرائه من الحلي والجواهر، واستعان بها في تجهيز الجيش، استجابة لفتوى الشيخ "العز بن عبد السلام " أقوى علماء عصره.
ولم يقتصر الأمر على هذا، بل لقي صعوبة في إقناع كثير من الأمراء بالخروج معه لقتال التتار، فأخذ يستثير نخوتهم ويستنهض شجاعتهم بقوله: "يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته فإن الله مطلع عليه..."؛ فأثرت هذه الكلمة في نفوسهم، وقوت من روحهم، فخرجوا معه وتعاهدوا على القتال.
الخروج إلى القتال
وفي (رمضان 658هـ= أغسطس 1260م) خرج قطز من مصر على رأس الجيوش المصرية ومن انضم إليه من الجنود الشاميين وغيرهم، وترك نائبا عنه في مصر هو الأتابك فارس الدين أقطاي المستعرب، وأمر الأمير بيبرس البندقداري أن يتقدم بطليعة من الجنود ليكشف أخبار المغول، فسار حتى لقي طلائع لهم في غزة، فاشتبك معهم، وألحق بهم هزيمة كان لها أثر في نفوس جنوده، وأزالت الهيبة من نفوسهم، ثم تقدم السلطان قطز بجيوشه إلى غزة، فأقام بها يومًا واحدًا، ثم رحل عن طريق الساحل إلى عكا، وكانت لا تزال تحت سيطرة الصليبيين، فعرضوا عليه مساعدتهم، لكنه رفض واكتفى منهم بالوقوف على الحياد، وإلا قاتلهم قبل أن يقابل المغول، ثم وافى قطز الأمير بيبرس عند عين جالوت بين بيسان ونابلس.
وكان الجيش المغولي يقوده كيتوبوقا (كتبغا) بعد أن غادر هولاكو الشام إلى بلاده للاشتراك في اختيار خاقان جديد للمغول، وجمع القائد الجديد قواته التي كانت قد تفرقت ببلاد الشام في جيش موحد، وعسكر بهم في عين جالوت.
اللقاء المرتقب
اقتضت خطة السلطان قطز أن يخفي قواته الرئيسية في التلال والأحراش القريبة من عين جالوت، وألا يظهر للعدو المتربص سوى المقدمة التي كان يقودها الأمير بيبرس، وما كاد يشرق صباح يوم الجمعة (25 من رمضان 658هـ= 3 من سبتمبر 1260م) حتى اشتبك الفريقان، وانقضت قوات المغول كالموج الهائل على طلائع الجيوش المصرية؛ حتى تحقق نصرًا خاطفًا، وتمكنت بالفعل من تشتيت ميسرة الجيش، غير أن السلطان قطز ثبت كالجبال، وصرخ بأعلى صوته: "واإسلاماه!"، فعمت صرخته أرجاء المكان، وتوافدت حوله قواته، وانقضوا على الجيش المغولي الذي فوجئ بهذا الثبات والصبر في القتال وهو الذي اعتاد على النصر الخاطف، فانهارت عزائمه وارتد مذعورا لا يكاد يصدق ما يجري في ميدان القتال، وفروا هاربين إلى التلال المجاورة بعد أن رأوا قائدهم كيتوبوقا يسقط صريعًا في أرض المعركة.
ولم يكتفِ المسلمون بهذا النصر، بل تتبعوا الفلول الهاربة من جيش المغول التي تجمعت في بيسان القريبة من عين جالوت، واشتبكوا معها في لقاء حاسم، واشتدت وطأة القتال، وتأرجح النصر، وعاد السلطان قطز يصيح صيحة عظيمة سمعها معظم جيشه وهو يقول: "واإسلاماه!" ثلاث مرات ويضرع إلى الله قائلا: "... يا ألله!! انصر عبدك قطز".. وما هي إلا ساعة حتى مالت كفة النصر إلى المسلمين، وانتهى الأمر بهزيمة مدوية للمغول لأول مرة منذ جنكيز خان.. ثم نزل السلطان عن جواده، ومرغ وجهه على أرض المعركة وقبلها، وصلى ركعتين شكرًا لله.
نتائج المعركة
كانت معركة عين جالوت واحدة من أكثر المعارك حسمًا في التاريخ، أنقذت العالم الإسلامي من خطر داهم لم يواجه بمثله من قبل، وأنقذت حضارته من الضياع والانهيار، وحمت العالم الأوروبي أيضًا من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذ أن يدفعه.
وكان هذا النصر إيذانًا بخلاص الشام من أيدي المغول؛ إذ أسرع ولاة المغول في الشام بالهرب، فدخل قطز دمشق على رأس جيوشه الظافرة في (27 من رمضان 658 هـ)، وبدأ في إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية، وترتيب أحوالها، وتعيين ولاة لها، وأثبتت هذه المعركة أن الأمن المصري يبدأ من بلاد الشام عامة، وفي فلسطين خاصة، وهو أمر أثبتته التجارب التاريخية التي مرت على المنطقة طوال تاريخها، وكانت النتيجة النهائية لهذه المعركة هي توحيد مصر وبلاد الشام تحت حكم سلطان المماليك على مدى ما يزيد عن نحو مائتين وسبعين سنة.


AbduLraHmN 27-08-09 02:07 AM

معركة بلاط الشهداء



فتح المسلمون الأندلس سنة (92 هـ = 711م) في عهد الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك "، وغنموا ملك القوط على يد الفاتحين العظيمين طارق بن زياد وموسى بن نصير، وأصبحت الأندلس منذ ذلك الوقت ولاية إسلامية تابعة لدولة الخلافة الأموية، وتعاقب عليها الولاة والحكام ينظمون شئونها ويدبرون أحوالها، ويواصلون الفتح الإسلامي إلى ما وراء جبال ألبرت في فرنسا. ولم يكد يمضي على فتح الأندلس سنوات قليلة حتى نجح المسلمون في فتح جنوبي فرنسا واجتياح ولاياتها، وكانت تعرف في ذلك الحين بالأرض الكبيرة أو بلاد الغال، وكان بطل هذه الفتوحات هو "السمح بن مالك" والي الأندلس، وكان حاكما وافر الخبرة، راجح العقل، نجح في ولايته للأندلس؛ فقبض على زمام الأمور، وقمع الفتن والثورات، وأصلح الإدارة والجيش.
وفي إحدى غزواته التقى السمح بن مالك بقوات الفرنجة في تولوشة (تولوز )، ونشبت معركة هائلة ثبت فيها المسلمون ثباتا عظيما على قلة عددهم وأبدوا شجاعة نادرة، وفي الوقت الذي تأرجح فيه النصر بين الفريقين سقط السمح بن مالك شهيدًا من فوق جواده في (9 من ذي الحجة 102 هـ = 9 من يونيو 721م)، فاضطربت صفوف الجيش واختل نظامه وارتد المسلمون إلى "سبتمانيا" بعد أن فقدوا زهرة جندهم.
مواصلة الفتح
وعلى إثر استشهاد السمح بن مالك تولّى عبد الرحمن الغافقي القيادة العامة للجيش وولاية الأندلس، حتى تنظر الخلافة الأموية وترى رأيها، فقضى الغافقي بضعة أشهر في تنظيم أحوال البلاد وإصلاح الأمور حتى تولّى "عنبسة بن سحيم الكلبي" ولاية الأندلس في (صفر سنة 103 هـ = أغسطس من 721م)، فاستكمل ما بدأه الغافقي من خطط الإصلاح وتنظيم شئون ولايته والاستعداد لمواصلة الفتح، حتى إذا تهيأ له ذلك سار بجيشه في أواخر سنة (105 هـ = 724م) فأتم فتح إقليم سبتمانيا، وواصل سيره حتى بلغ مدينة "أوتون" في أعالي نهر الرون، وبسط سلطانه في شرق جنوبي فرنسا، وفي أثناء عودته إلى الجنوب داهمته جموع كبيرة من الفرنج، وكان في جمع من جيشه؛ فأصيب في هذه المعركة قبل أن ينجده باقي جيشه، ثم لم يلبث أن تُوفِّي على إثرها في (شعبان 107 هـ = ديسمبر 725م).
وبعد وفاته توقف الفتح وانشغلت الأندلس بالفتن والثورات، ولم ينجح الولاة الستة الذين تعاقبوا على الأندلس في إعادة الهدوء والنظام إليها والسيطرة على مقاليد الأمور، حتى تولى عبد الرحمن الغافقي أمور الأندلس في سنة (112 هـ = 730م).
عبد الرحمن الغافقي
لم تكن أحوال البلاد جديدة عليه فقد سبق أن تولى أمورها عقب استشهاد السمح بن مالك، وعرف أحوالها وخبر شئونها، ولا تمدنا المصادر التاريخية بشيء كثير عن سيرته الأولى، وجل ما يعرف عنه أنه من التابعين الذين دخلوا الأندلس ومكنته شجاعته وقدراته العسكرية من أن يكون من كبار قادة الأندلس، وجمع إلى قيادته حسن السياسة وتصريف الأمور؛ ولذا اختاره المسلمون لقيادة الجيش وإمارة الأندلس عقب موقعه "تولوشة".
كان الغافقي حاكما عادلا قديرا على إدارة شئون دولته، وتجمع الروايات التاريخية على كريم صفاته، وتشيد بعدله، فرحبت الأندلس بتعيينه لسابق معرفتها به وبسياسته، ولم يكن غريبا أن يحبه الجند لرفقه ولينه، وتتراضى القبائل العربية فتكف عن ثوراتها، ويسود الوئام إدارة الدولة والجيش.
غير أن هذا الاستقرار والنظام الذي حل بالأندلس نغصه تحركات من الفرنج والقوط واستعداد لمهاجمة المواقع الإسلامية في الشمال، ولم يكن لمثل الغافقي أن يسكت وهو رجل مجاهد عظيم الإيمان، لا تزال ذكريات هزيمة تولوشة تؤرق نفسه، وينتظر الفرصة السانحة لمحو آثارها، أما وقد جاءت فلا بد أن ينتهزها ويستعد لها أحسن استعداد، فأعلن عزمه على الفتح، وتدفق إليه المجاهدون من كل جهة حتى بلغوا ما بين سبعين ومائة ألف رجل.
خط سير الحملة
جمع عبد الرحمن جنده في "بنبلونة" شمال الأندلس، وعبر بهم في أوائل سنة (114 هـ = 732م) جبال ألبرت ودخل فرنسا (بلاد الغال)، واتجه إلى الجنوب إلى مدينة "آرال" الواقعة على نهر الرون؛ لامتناعها عن دفع الجزية وخروجها عن طاعته، ففتحها بعد معركة هائلة، ثم توجه غربا إلى دوقية أقطاينا "أكويتين"، وحقق عليها نصرا حاسما على ضفاف نمهر الدوردوني ومزّق جيشها شر ممزق، واضطر الدوق "أودو" أن يتقهقر بقواته نحو الشمال تاركا عاصمته "بردال" (بوردو) ليدخلها المسلمون فاتحين، وأصبحت ولاية أكويتين في قبضة المسلمين تماما، ومضى الغافقي نحو نهر اللوار وتوجه إلى مدينة "تور" ثانية مدائن الدوقية، وفيها كنيسة "سان مارتان"، وكانت ذات شهرة فائقة آنذاك؛ فاقتحم المسلمون المدينة واستولوا عليها.
ولم يجد الدوق "أودو" بدا من الاستنجاد بالدولة الميروفنجية، وكانت أمورها في يد شارتل مارتل، فلبى النداء وأسرع بنجدته، وكان من قبل لا يُعنى بتحركات المسلمين في جنوب فرنسا؛ نظرا للخلاف الذي كان بينه وبين أودو دوق أقطانيا
استعداد الفرنجة
وجد شارل مارتل في طلب نجدته فرصة لبسط نفوذه على أقطانيا التي كانت بيد غريمه، ووقف الفتح الإسلامي بعد أن بات يهدده، فتحرك على الفور ولم يدخر جهدا في الاستعداد، فبعث يستقدم الجند من كل مكان فوافته جنود أجلاف أقوياء يحاربون شبه عراة، بالإضافة إلى جنده وكانوا أقوياء لهم خبرة بالحروب والنوازل، وبعد أن أتم شارل مارتل استعداده تحرك بجيشه الجرار الذي يزيد في عدده على جيش المسلمين يهز الأرض هزا، وتردد سهول فرنسا صدى أصوات الجنود وجلباتهم حتى وصل إلى مروج نهر اللوار الجنوبية.
اللقاء المرتقب

http://www.islamonline.net/servlet/S...&ssbinary=true
الغرب مجد "شارل مارتل" لدوره في "بواتيه"
كان الجيش الإسلامي قد انتهى بعد زحفه إلى السهل الممتد بين مدينتي بواتييه وتور بعد أن استولى على المدينتين، وفي ذلك الوقت كان جيش شارل مارتل قد انتهى إلى اللوار دون أن ينتبه المسلمون بقدوم طلائعه، وحين أراد الغافقي أن يقتحم نهر اللوار لملاقاة خصمه على ضفته اليمنى قبل أن يكمل استعداده فاجأه مارتل بقواته الجرارة التي تفوق جيش المسلمين في الكثرة، فاضطر عبد الرحمن إلى الرجوع والارتداد إلى السهل الواقع بين بواتييه وتور، وعبر شارل بقواته نهر اللوار وعسكر بجيشه على أميال قليلة من جيش الغافقي. وفي ذلك السهل دارت المعركة بين الفريقين، ولا يُعرف على وجه الدقة موقع الميدان الذي دارت فيه أحداث المعركة، وإن رجحت بعض الروايات أنها وقعت على مقربة من طريق روماني يصل بين بواتييه وشاتلرو في مكان يبعد نحو عشرين كيلومترا من شمالي شرق بواتييه يسمّى بالبلاط، وهي كلمة تعني في الأندلس القصر أو الحصن الذي حوله حدائق؛ ولذا سميت المعركة في المصادر العربية ببلاط الشهداء لكثرة ما استشهد فيها من المسلمين، وتسمّى في المصادر الأوربية معركة "تور- بواتييه".
ونشب القتال بين الفريقين في (أواخر شعبان 114 هـ = أكتوبر 732م)، واستمر تسعة أيام حتى أوائل شهر رمضان، دون أن يحقق أحدهما نصرا حاسما لصالحه.
وفي اليوم العاشر نشبت معركة هائلة، وأبدى كلا الفريقين منتهى الشجاعة والجلد والثبات، حتى بدأ الإعياء على الفرنجة ولاحت تباشير النصر للمسلمين، ولكن حدث أن اخترقت فرقة من فرسان العدو إلى خلف صفوف المسلمين، حيث معسكر الغنائم، فارتدت فرقة كبيرة من الفرسان من قلب المعركة لرد الهجوم المباغت وحماية الغنائم، غير أن هذا أدى إلى خلل في النظام، واضطراب صفوف المسلمين، واتساع في الثغرة التي نفذ منها الفرنجة.
وحاول الغافقي أن يعيد النظام ويمسك بزمام الأمور ويرد الحماس إلى نفوس جنده، لكن الموت لم يسعفه بعد أن أصابه سهم غادر أودى بحياته فسقط شهيدا في الميدان، فازدادت صفوف المسلمين اضطرابا وعم الذعر في الجيش، ولولا بقية من ثبات راسخ وإيمان جياش، ورغبة في النصر لحدثت كارثة كبرى للمسلمين أمام جيش يفوقهم عددا. وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهزوا فرصة ظلام الليل وانسحبوا إلى سبتمانيا، تاركين أثقالهم ومعظم أسلابهم غنيمة للعدو.
ولما لاح الصباح نهض الفرنجة لمواصلة القتال فلم يجدوا أحدا من المسلمين، ولم يجدوا سوى السكون الذي يطبق على المكان، فتقدموا على حذر نحو الخيام لعل في الأمر خديعة فوجدوها خاوية إلا من الجرحى العاجزين عن الحركة؛ فذبحوهم على الفور، واكتفى شارل مارتل بانسحاب المسلمين، ولم يجرؤ على مطاردتهم، وعاد بجيشه إلى الشمال من حيث أتى.
تحليل المعركة
تضافرت عوامل كثيرة في هذه النتيجة المخزية، منها أن المسلمين قطعوا آلاف الأميال منذ خروجهم من الأندلس، وأنهكتهم الحروب المتصلة في فرنسا، وأرهقهم السير والحركة، وطوال هذا المسير لم يصلهم مدد يجدد حيوية الجيش ويعينه على مهمته، فالشقة بعيدة بينهم وبين مركز الخلافة في دمشق، فكانوا في سيرهم في نواحي فرنسا أقرب إلى قصص الأساطير منها إلى حوادث التاريخ، ولم تكن قرطبة عاصمة الأندلس يمكنها معاونة الجيش؛ لأن كثيرًا من العرب الفاتحين تفرقوا في نواحيها.
وتبالغ الروايات في قصة الغنائم وحرص المسلمين على حمايتها، فلم تكن الغنائم تشغلهم وهم الذين قطعوا هذه الفيافي لنشر الإسلام وإعلاء كلمته، ولم نألف في حروب المسلمين الحرص عليها وحملها معهم أينما ذهبوا، ولو كانوا حريصين عليها لحملوها معهم في أثناء انسحابهم في ظلمة الليل، في الوقت التي تذكر فيه الروايات أن الجيش الإسلامي ترك خيامه منصوبة والغنائم مطروحة في أماكنها.
نتائج المعركة
كثر الكلام حول هذه المعركة، وأحاطها المؤرخون الأوربيون باهتمام مبالغ، وجعلوها معركة فاصلة، ولا يخفى سر اهتمامهم بها؛ فمعظمهم يعدها إنقاذًا لأوروبا، فيقول "إدوارد جيبون" في كتاب "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية" عن هذه المعركة: "إنها أنقذت آباءنا البريطانيين وجيراننا الفرنسيين من نير القرآن المدني والديني، وحفظت جلال روما، وشدت بأزر النصرانية".
ويقول السير "إدوارد كريزي": "إن النصر العظيم الذي ناله شارل مارتل على العرب سنة 732م وضع حدا حاسما لفتوح العرب في غرب أوروبا، وأنقذ النصرانية من الإسلام".
ويرى فريق آخر من المؤرخين المعتدلين في هذا الانتصار نكبة كبيرة حلت بأوروبا، وحرمتها من المدنية والحضارة، فيقول "جوستاف لوبون" في كتابه المعروف "حضارة العرب"، الذي ترجمه "عادل زعيتر" إلى العربية في دقة وبلاغة:
"لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزا للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم".
وبعد معركة بلاط الشهداء لم تسنح للمسلمين فرصة أخرى لينفذوا إلى قلب أوربا، فقد أصيبوا بتفرقة الكلمة، واشتعال المنازعات، في الوقت الذي توحدت قوة النصارى، وبدأت ما يُسمّى بحركة الاسترداد والاستيلاء على ما في يد المسلمين في الأندلس من مدن وقواعد.

AbduLraHmN 27-08-09 02:11 AM



"وادي المخازن".. معركة الملوك الثلاثة






عرف التاريخ الإنساني عددا من المعارك الفاصلة التي كانت نقاط تحول تاريخية نتيجة للآثار الإستراتيجية البعيدة التي تركتها تلك المعارك، حيث كانت بمثابة القسمات على وجه التاريخ، وحفرت وقائعها فضلا عن أسمائها في الذاكرة الإنسانية.
ومن هذه المعارك معركة بلاط الشهداء أو لابواتيه التي كانت تحولا في مسار الفتوح الإسلامية بأوربا، وتراجع العثمانيين أمام أسوار فيينا، ومعركة وادي المخازن بين الدولة السعدية في المغرب والعثمانيين من جانب، والبرتغال والأسبان وفلول المتطوعين المسيحيين الأوربيين من جانب آخر.
كان دافع البرتغاليين لخوض هذه المعركة هو استرداد شواطئ شمال أفريقيا وسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام الإسلام في تلك المناطق وإرجاعها إلى حظيرة المسيحية، وإحكام السيطرة على طرق التجارة، خاصة مدخل البحر المتوسط من خلال السيطرة على مضيق جبل طارق، محاولين في ذلك استلهام تجربة حروب الاسترداد التي خاضتها أسبانيا ضد الوجود الإسلامي بها.
المتوكل.. على الأسبان والبرتغاليين
كانت الدولة السعدية -التي تعود لمحمد النفس الزكية أحد أئمة آل البيت النبوي- هي التي تسيطر على مراكش (المغرب)، وكان قيامها سنة (923هـ= 1517م) على أساس مجاهدة البرتغاليين، واستطاعت هذه الأسرة أن تحرر الكثير من شواطئ المغرب المطلة على المحيط الأطلنطي -والتي احتلها الأسبان في عدة حملات- حيث استطاعت دخول مراكش سنة (931هـ= 1525م) ثم فاس في (961هـ= 1554م) وكان ذلك بداية قيام تلك الدولة التي استمرت حتى عام (1011هـ=1603م)
وعندما توفي عبد الله الغالب السعدي حاكم الدولة السعدية تولى من بعده ابنه محمد المتوكل الحكم سنة (981هـ=1574م) وعرف عنه القسوة وإتيان المنكرات، فانقلب عليه عماه عبد المالك وأحمد واستنجدا بالعثمانيين -الذين كانوا موجودين بالجزائر- فقدم لهما العثمانيون المساعدات واستطاعا الانتصار على المتوكل في معركتين سنة (983هـ=1576م) واستطاع عبد الملك أن يدخل فاس عاصمة الدولة السعدية وأن يأخذ البيعة لنفسه، وأن يشرع في تأسيس جيش قوي ضم العرب والبربر وعناصر تركية وأندلسية.
ولم تؤد خسارة المتوكل أمام عميه عبد الملك وأحمد إلى أن يرضى بالأمر الواقع فرحل إلى الشواطئ البرتغالية واستنجد بالملك البرتغالي دون سباستيان ليساعده في استرداد ملكه مقابل أن يمنحه الشواطئ المغربية على المحيط الأطلسي.
واستطاعت المخابرات العثمانية في الجزائر أن ترصد هذه الاتصالات بين المتوكل والبرتغاليين، وبعث حسن باشا أمير أمراء الجزائر برسالة مهمة إلى السلطان العثماني بهذا الشأن، وكان العثمانيون في إستانبول على دراية بما يجري في أوربا فقد كان لديها معلومات عن اتصالات يجريها بابا روما ودوق فرنسا منذ عدة أشهر بهدف جمع جنود وإعداد سفن وتحميلها بمقاتلين لمساعدة البرتغال في غزوها للشاطئ المغربي، ورصدت المخابرات العثمانية الاتصالات بين ملك البرتغال سباستيان وخاله ملك أسبانيا فيليب الثاني ولكنها لم تستطع أن تقف على حقيقة الاتفاق الذي جرى بينهما، لكن المعلومات التي رصدتها أكدت أن ملك أسبانيا جمع حوالي عشرة آلاف جندي لمساعدة البرتغال في تأديبه ملك فاس عبد المالك السعدي.
أما الدولة السعدية فقد استطاعت سفنها أن تلقي القبض على سفارة كان قد أرسلها المتوكل إلى البرتغال تطالبهم بالتدخل لمساعدته في استرداد ملكه مقابل منحهم الشواطئ المغربية على المحيط الأطلسي، ولذا بدأ السعديون يأخذون أهبتهم للحرب القادمة من حيث الاستعدادات الحربية وحشد الجنود والاتصال بالعثمانيين الموجودين في الجزائر للحصول على دعمهم في الحرب القادمة ضد البرتغاليين والأسبان.
سباستيان: استرداد استرداد
كانت الهوس الديني مسيطرا على سباستيان وكان يرغب في أن يخوض حرب استرداد مسيحية أخرى في سواحل الشمال الأفريقي، ورأى أن تكون حربا كبيرة لا مجرد غارة خاطفة، ولذا بدأ مشاورات مع عدد من ملوك وأمراء أوربا وعلى رأسهم خاله فيليب الثاني الذي سمح للمتطوعين الأسبان بالتدفق على الجيش البرتغالي، وأمده بقوات من جيشه وسفن لنقل القوات إلى الشواطئ المغربية، وشارك بثلث نفقات الحملة شريطة الاكتفاء باحتلال ميناء العرائش على المحيط الأطلسي وعدم التوغل في الأراضي المغربية وألا تستمر الحرب أكثر من عام.
تدفقت جموع المتطوعين على الجيش البرتغالي من إيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية، وجمع سباستيان حوالي 18 ألف مقاتل، وكان بالجيش البرتغالي الكثير من المدافع والخيالة الذين كانوا عماد الحرب في تلك الفترة من التاريخ. واختلف في المجموع الكلي لجيش سباستيان وجموع الأسبان والمتطوعين المسيحيين الذين تدفقوا على هذا الجيش؛ إذ رفع البعض عددهم إلى حوالي 125 ألف مقاتل، وفي تقديرات أخرى 80 ألفا، بينما يقول المدققون إنه كان يزيد على 40 ألفا.
وقد ظن البرتغاليون أنهم ذاهبون إلى نزهة على الشواطئ المغربية؛ حيث أخذوا الأمر باستخفاف شديد؛ فقد كانوا واثقين من انتصارهم السهل، حتى إن الصلبان كانت مُعدة لتعليقها على المساجد المغربية الكبيرة في فاس ومراكش، بل وضعت تصميمات لتحويل قبلة جامع القرويين الشهير إلى مذبح كنسي، وكانت بعض النساء البرتغاليات من الطبقة الراقية يرغبن في مصاحبة الجيش لمشاهدة المعركة، وكان بعض البرتغاليين يرتدون الثياب المزركشة المبهرة وكأنهم سيحضرون سباقا أو مهرجانا.
الإبحار والخطة والمواجهة
أبحرت السفن البرتغالية والأسبانية من ميناء لشبونة في (19 ربيع ثان 986هـ= 24 من يونيو 1578م) ورست على شاطئ ميناء أصيلة فاحتلته، وفوجئ سباستيان بأن عدد قوات المتوكل قليل جدا.
بنى السعديون خطتهم للمواجهة على إطالة الفترة التي تبقاها قوات البرتغاليين في الشاطئ دون التوغل في الأراضي المغربية؛ حتى يتمكن السعديون من تجميع قواتهم ودفعها إلى المعركة، ثم بدأ السعديون في محاولة إغراء البرتغال بترك الشواطئ والتوغل في الأرض المغربية الصحراوية لإرهاقها وإبعادها عن مراكز تموينها على شاطئ المحيط.
نجحت خطة عبد المالك واستطاع أن يغري القوات البرتغالية والأسبانية بالزحف داخل المغرب حتى سهل فسيح يسمى سهل القصر الكبير أو سهل وادي المخازن بالقرب من نهر لوكوس، وكان يوجد جسر وحيد على النهر للعبور إلى الوادي.
كانت خطة عبد المالك القتالية أن يجعل القوات البرتغالية تعبر الجسر إلى الوادي ثم تقوم القوات المغربية بنسف هذا الجسر لقطع طريق العودة على البرتغاليين، ومن ثمة يكون النهر في ظهرهم أثناء القتال؛ بحيث لا يجد الجنود البرتغاليون غيره ليهرعوا إليه عند اشتداد القتال؛ وهو ما يعني أنهم سيغرقون به نظرا لما يحملونه من حديد ودروع.
بدأ القتال وكان شديدا نظرا للحماسة الدينية التي كانت تسيطر على كلا الطرفين، وأصيب عبد المالك بمرض شديد أقعده في الفراش، وقيل إن بعض الخدم وضع له سما. وقد زاد ضغط البرتغاليين والأسبان على بعض القوات المغربية فاختلت صفوفها فما كان من عبد المالك إلا أن ركب فرسه وحث جنده على الثبات، لكنه سقط فنقل إلى خيمته وأوصى إن توفاه الله تعالى أن يتم كتمان الخبر حتى الانتهاء من القتال حتى لا يؤثر ذلك في معنويات الجنود، وشاءت إرادة الله تعالى أن يُتوفى عبد المالك، وعمل رجال دولته بوصيته فكتموا الخبر.
استمر القتال حوالي أربع ساعات وثلث الساعة وفي أثنائها بدأت بشائر النصر تلوح في الأفق للمسلمين فحاول البرتغاليون الهروب من ميدان المعركة والعودة إلى الشاطئ لكنهم وجدوا أن جسر وادي المخازن قد نُسف فألقى الجنود ومعهم سباستيان بأنفسهم في الماء فمات هو وكثير من جنوده غرقا، أما الباقون فقتلوا في ميدان المعركة أو أسروا، أما البقية التي نجت وركبت البحر فقد استطاع حاكم الجزائر حسن باشا وقائده الريس سنان أن يعترض سفنهم وأن يأسر غالبيتهم؛ حيث أسر 500 شخص.
معركة الملوك الثلاثة
لقي في هذه المعركة ثلاثة ملوك حتفهم هم عبد المالك وسباستيان والمتوكل؛ ولذا عرفت بمعركة الملوك الثلاثة، وفقدت البرتغال في هذه الساعات ملكها وجيشها ورجال دولتها، ولم يبق من العائلة المالكة إلا شخص واحد، فاستغل فيليب الثاني ملك أسبانيا الفرصة وضم البرتغال إلى تاجه سنة (988هـ= 1580م)، وورث أحمد المنصور العرش السعدي في فاس، وأرسل سفارة إلى السلطان العثماني يعرض عليه فيها انضمام دولته لدولة الخلافة العثماني
ة

AbduLraHmN 27-08-09 02:44 AM

معركة الزلاقة



سقطت الخلافة الأموية في الأندلس إثر سقوط الدولة العامرية سنة (399هـ = 1009م) وتفككت الدولة الأندلسية الكبرى إلى عشرين دويلة صغيرة يحكمها ملوك الطوائف، ومن أشهرهم: بنو عباد في أشبيلية، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو هود في سرقسطة، وزعمت كل طائفة من هذه الطوائف لنفسها الاستقلال والسيادة، ولم تربطها بجارتها إلا المنافسة والكيد والمنازعات والحروب المستمرة، وهو ما أدى إلى ضعف، وأعطى الفرصة للنصارى المتربصين في الشمال أن يتوسعوا على حسابهم.
وفي مقابل التجزئة والفرقة الأندلسية في عصر الطوائف كان النصارى يقيمون اتحادًا بين مملكتي ليون وقشتالة على يد فرديناد الأول الذي بدأ حرب الاسترداد التي تعني إرجاع الأندلس إلى النصرانية بدلاً من الإسلام.
وواصل هذه الحرب من بعده ابنه ألفونس السادس، حيث بلغت ذروتها مع استيلاء ألفونس على مدينة "طليطلة" سنة (478هـ = 1085م) أهم المدن الأندلسية وأكبر قواعد المسلمين هناك، وكان سقوطها نذيرًا بأسوأ العواقب لبقية الأندلس؛ ذلك أن ألفونس قال صراحة: إنه لن يهدأ له بال حتى يسترد بقية الأندلس ويُخضع قرطبة لسلطانه؛ وينقل عاصمة ملكه إلى طليطلة.
وكان أسوأ ما في هذه الكارثة المروعة أن ملوك الطوائف المسلمين لم يهبُّوا لنجدة طليطلة أو مساعدتها، بل على العكس وقفوا موقفًا مخزيًا حتى إن بعضهم عرض على ألفونس تقديم العون والمساعدة، ورأى البعض الآخر أنه لكي يستمر في حكم مملكته آمنًا يجب أن يوثق أواصر الصلة والمودة مع ألفونس ويحالفه ويقدم له الجزية السنوية، بل شاركت بعض قوات أمراء الطوائف في غزوة طليطلة، وقدم أحد هؤلاء الأمراء ابنته لتكون زوجة أو حظية لألفونس!!
ورأى ألفونس حالة الضعف والجبن التي يعاني منها أمراء الطوائف، والتي تعود في الأساس إلى ترفهم وخواء نفوسهم، وكرههم للحرب والجهد حتى إن كان ذلك هو السبيل الوحيد للكرامة والحفاظ على البقية الباقية من الدين والمروءة؛ لذا رأى ألفونس السادس ضرورة إضعاف ملوك الطوائف قبل القضاء عليهم نهائيًا؛ وكانت خطته في ذلك تقوم أولاً على تصفية أموالهم باقتضاء وفرض الجزية عليهم جميعًا، ثم تخريب أراضيهم وزروعهم ومحاصيلهم بالغارات المتتابعة، وأخيرًا اقتطاع حصونهم وأراضيهم كلما سنحت الفرصة.
ونجحت خطة ألفونس في ذلك كل النجاح، وبدا ضعف ملوك الطوائف أمامه واضحًا ملموسًا؛ فاستهان بهم واحتقرهم، وقال عنهم: "كيف أترك قومًا مجانين تسمَّى كل واحد منهم باسم خلفائهم وملوكهم، وكل واحد منهم لا يسِل للدفاع عن نفسه سيفًا، ولا يرفع عن رعيته ضيمًا ولا حيفًا"، وعاملهم معاملة الأتباع.
أصبح ألفونس بعد استيلائه على طليطلة مجاورًا لمملكة إشبيلية وصاحبها المعتمد بن عباد، وعندها أدرك المعتمد فداحة خطئه في مصانعة ألفونس ومحالفته واستعدائه على أمراء الطوائف الآخرين، ولاحت له طوالع المصير المروع الذي سينحدر إليه إذا لم تتداركه يد العناية الإلهية بعون أو نجدة غير منتظرة؛ لذا كان من الطبيعي أن تتجه أنظار ابن عباد إلى دولة المرابطين القوية الفتية بقيادة أميرها الباسل "يوسف بن تاشفين " ليستنجد به وتطلب منه النصرة ضد هؤلاء النصارى الذين تجمعوا من شمالي إسبانيا، فضلاً عن المتطوعين الذين قدموا من فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
النزاع بين ألفونس السادس والمعتمد
بدأ النزاع بين الملكين سنة (475 هـ = 1082م) عندما وجه ألفونس سفارته المعتادة إلى المعتمد يطلب فيها الجزية السنوية، وكان على رأس السفارة يهودي يُدعى "ابن شاليب"، رفض تسلم الجزية بحجة أنها من عيار ناقص، وهدد بأنه إذا لم يقدم له المال من عيار حسن فسوف تُحتل مدائن إشبيلية.
ولمَّا علم المعتمد بما صدر عن اليهودي أمر بصلبه، وزج بأصحابه في السجن من القشتاليين، وعندما استشار الفقهاء استحسنوا ذلك الأمر؛ مخافة أن يتراجع المعتمد عن قراره بالصمود في وجه النصارى؛ أما ألفونس فقد استشاط غضبًا، وبعث سراياه وجنوده للانتقام والسلب والنهب، وأغار هو بجيشه على حدود إشبيلية وحاصرها ثلاثة أيام ثم تركها، والمعتمد يلتزم الدفاع طيلة هذه العاصفة الهوجاء من الغضب الصليبي.
الاستنجاد بالمرابطين
حشد المعتمد رجاله، وقوَّى جيشه، وأصلح حصونه، واتخذ كل وسيلة للدفاع عن أرضه بعدما أيقن أن ألفونس يعتزم العمل على إبادتهم جميعًا، وأن المسلمين بقدراتهم ومواردهم المحدودة لن يستطيعوا له دفعًا؛ لذا قرر المعتمد أن يستنصر بالمرابطين في المغرب لمقاتلة هؤلاء النصارى، وكانت دولة المرابطين دولة جهاد وحرب، غير أن هذا الرأي واجه معارضة من بعض الأمراء الذين رأوا في المفاوضات والصلح والمهادنة والسلام وسيلة للأمن والاستقرار، ورأوا في المرابطين عدوًا جديدًا قد يسلب ملكهم، وقال الرشيد لأبيه المعتمد: "يا أبت أتُدخِل علينا في أندلسنا من يسلبنا ملكنا، ويبدد شملنا"، فرد عليه المعتمد: "أي بني، والله لا يسمع عني أبدًا أني أعدت الأندلس دار كفر، ولا تركتها للنصارى، فتقوم اللعنة عليّ في الإسلام، مثلما قامت على غيري، رعي الجمال عندي- والله- خير من رعي الخنازير".
وناشد ملوك الطوائف وعلى رأسهم المعتمد بن عباد المرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين لنجدتهم، بل إن المعتمد عبر إلى المغرب والتقى بابن تاشفين الذي وعده خيرًا، وأجابه إلى ما طلب واشترط لإجابة الدعوة والعبور إلى الأندلس أن يسلم إليه المعتمد ثغر الجزيرة الخضراء ليكون قاعدة للمرابطين في الذهاب والإياب، فوافق المعتمد على ذلك.
العبور إلى الأندلس
حشد يوسف بن تاشفين جنده وعتاده، ثم بعث بقوة من فرسانه بقيادة داود بن عائشة فعبرت البحر، واحتلت ثغر الجزيرة الخضراء، وفي (ربيع الآخر 479هـ = أغسطس 1086م) بدأت جيوش المرابطين تعبر من سبتة إلى الأندلس، وما كادت السفن تتوسط ماء مضيق جبل طارق حتى اضطرب البحر وتعالت الأمواج، فنهض "ابن تاشفين" ورفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهِّل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه"؛ فهدأت ثائرة البحر، وسارت السفن في ريح طيبة حتى رست على الشاطئ، وهبط منها يوسف، وخرَّ لله ساجدًا.
قوبل بحفاوة بالغة هو وجنوده، وأمر قائده "داود بن عائشة" بالتقدم أمامه إلى بطليوس، كما أمر بأن توضع القوات الأندلسية كلها تحت قيادة المعتمد، وأن يكون لجند الأندلس محلتهم وللمرابطين محلتهم، وكان يوسف في تحركه شديد الحذر؛ لأنه لم يسبق له أن حارب جيشًا نصرانيًا، كما أنه لم يكن واثقًا من حلفائه الأندلسيين؛ لذا رأى أن تكون المعركة في ناحية بطليوس، وألا يتوغل كثيرًا في أرض الأندلس.
الزلاقة والنصر المبين
ولما بلغ ألفونس نبأ تقدم المسلمين لملاقاته، فك الحصار الذي كان يضربه حول مدينة سرقسطة، واستدعى قائده البرهانس من بلنسية، وبعث مستغيثًا بجميع النصارى في شمال إسبانيا وما وراء جبال البرانيس، فتقاطرت عليه فرسان النصارى من إيطاليا وفرنسا، واعتزم أن يلقى المسلمين في أرضهم حتى لا تخرب بلاده، وكانت قواته تفوق المسلمين عددًا وعدة، وقد استقرت هذه الجيوش النصرانية على بعد ثلاثة أميال من المعسكر الإسلامي ولا يفصل بينهم إلا نهر صغير يسمى "جريرو"، وانضم إلى قوات النصارى الرهبان والقسس يحملون أناجيلهم وصلبانهم، محفزين بذلك جنود النصارى.
كانت قوات المسلمين تقدر بحوالي ثمانية وأربعين ألف مقاتل، تنقسم في وحدتين كبيرتين من قوات الأندلس، وتحتل المقدمة بقيادة المعتمد، أما القوات المرابطية فتحتل المؤخرة وتنقسم إلى قسمين، يضم الأول فرسان البربر بقيادة داود بن عائشة، والقسم الثاني احتياطي، يقوده يوسف بن تاشفين.
ولبث الجيشان كل منهما في اتجاه الآخر ثلاثة أيام، وفشلت محاولة ألفونس خديعة المسلمين في تحديد يوم المعركة، وانتهى الأمر بنشوب المعركة مع أول ضوء من صباح يوم الجمعة (12 رجب 479هـ = 23 أكتوبر 1086م) بهجوم خاطف شنَّه فرسان النصارى على مقدمة المسلمين المؤلفة من القوات الأندلسية، فاختل توازن المسلمين وارتد فرسانهم نحو بطليوس، ولم يثبت إلا المعتمد بن عباد في مجموعة قليلة من الفرسان، وقاتلوا بشدة، وأُثخن المعتمد بالجراح وكثر القتل في جند الأندلس، وكادت تحل بهم الهزيمة، وفي الوقت نفسه هاجم ألفونس مقدمة المرابطين وردها عن مواقعها.
وأمام هذه المحنة التي تعرضت لها القوات المسلمة دفع يوسف بقوات البربر التي يقودها أبرع قواده وهو "سير بن أبي بكر اللمتوني"؛ فتغير سير المعركة، واسترد المسلمون ثباتهم، وأثخنوا النصارى قتلاً، وفي تلك الأثناء لجأ ابن تاشفين إلى خطة مبتكرة؛ إذ استطاع أن يشق صفوف النصارى، ويصل إلى معسكرهم، ويقضي على حاميته، ويشعل فيه النار؛ فلما رأى ألفونس هذه الفاجعة، رجع بسرعة شديدة، واصطدم الفريقان في قتال شرس، ودويّ طبول المرابطين يصم الآذان، وكثر القتل في الجانبين، خاصة في صفوف القشتاليين، ثم وجه "ابن تاشفين" ضربته الأخيرة إلى النصارى؛ إذ أمر حرسه الأسود، وقوامه أربعة آلاف مقاتل من ذوي البأس الشديد والرغبة في الجهاد بالنزول إلى أرض المعركة، فأكثروا القتل في القشتاليين واستطاع أحدهم أن يطعن ألفونس في فخذه طعنة نافذة كادت تودي بحياته.
وأدرك ألفونس أنه وقواته يواجهون الموت إذا استمروا في المعركة، فبادر بالهروب مع قلة من فرسانه تحت جنح الظلام، لم يتجاوزوا الأربعمائة، معظمهم جرحى، ماتوا في الطريق، ولم ينج منهم إلا مائة فارس فقط.
كان انتصار المسلمين في الزلاقة نصرًا عظيمًا ذاعت أنباؤه في الأندلس والمغرب، واستبشر المسلمون به خيرًا عظيمًا، غير أن المسلمين لم يحاولوا استغلال نصرهم بمطاردة فلول النصارى المتبقية والزحف إلى أراضي قشتالة، بل لم يحاولوا السير إلى طليطلة لاستردادها، وهي التي كانت السبب الرئيسي في الاستعانة بالمرابطين، ويقال إن ابن تاشفين اعتذر عن مطاردة القشتاليين لوصول أنباء إليه بوفاة أكبر أبنائه.

نتائج المعركة
ونتج عن هذا المعركة الحاسمة توقُّف ملوك الطوائف عن دفع الجزية لألفونس السادس، وخلع ملوك الطوائف ملكا ملكا وأنقذ هذا النصر غرب الأندلس من غارات المدمرة، وأفقدهم عددًا كبيرًا من قواتهم، وأنعش آمال الأندلسيين وحطم خوفهم من النصارى، ورفع الحصار عن سرقسطة التي كادت تسقط في يد ألفونس، وحالت هذه المعركة دون سقوط الأندلس كلها في يد النصارى، ومدت في عمر الإسلام بالأندلس حوالي القرنين ونصف القرن.

AbduLraHmN 27-08-09 02:49 AM

حطين وعوامل النصر المؤز



هيأت الأقدار لصلاح الدين الأيوبي أن يسطع في القرن السادس الهجري سطوعا باهرًا، وأن تبرز مواهبه وملكاته على النحو الذي يثير الإعجاب والتقدير، وأن يتبوأ بأعماله العظيمة مكانا بارزًا بين قادة العالم، وصانعي التاريخ.
وكانت وفاة نور الدين محمود سنة (569هـ = 1174م) نقطة تحوّل في حياة صلاح الدين؛ إذ أصبحت الوحدة الإسلامية التي بناها نور الدين محمود-هذا البطل العظيم- معرّضة للضياع، ولم يكن هناك من يملأ الفراغ الذي خلا بوفاته، فتقدم صلاح الدين ليكمل المسيرة، ويقوّي البناء، ويعيد الوحدة، وكان الطريق شاقا لتحقيق هذا الهدف وإعادة الأمل.
بناء الوحدة الإسلامية
توفي نور الدين محمود، وترك ولدا صغيرا لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، فشب نزاع بين الأمراء على من يقوم بالوصاية على الأمير الصغير، وانفرط عقد الدولة النورية، وكان صلاح الدين في مصر يراقب ما يحدث في الشام عن كثب، ينتظر الفرصة المواتية لتوحيد الجبهة الإسلامية، ولم يطل انتظاره حيث جاءته دعوة من أمراء دمشق لتسلّمها، فهب إليها على الفور، واستقبله أهلها استقبالا حسنا، وتسلم المدينة وقلعتها في سنة (570هـ = 1174م) ثم اتجه إلى حمص فاستولى عليها، ثم عرج على حماة فضمها أيضا إلى دولته، وأصبح على مشارف حلب نفسها، وحاول أن يفتحها لكنها استعصت عليه، بعد أن استنجد قادتها بالصليبيين؛ فتركها وفي أعماقه أنه سيأتي إليها مرة أخرى، ولكن تأخرت عودته ثماني سنوات، حتى تمكن من فتحها وضمها في (18 من صفر 579هـ = 12 من يونيه 1183م) وكان استيلاء صلاح الدين على حلب وما حولها خطوة هائلة في بناء الجبهة الإسلامية المتحدة، التي امتدت تحت زعامته من جبال طوروس شمالا حتى بلاد النوبة جنوبا.
لم يعد أمام صلاح الدين لاستكمال الوحدة سوى مدينة الموصل، فحاصرها أكثر من مرة، إلى أن تم الصلح، بعد أن سعى إليه والي الموصل "عز الدين مسعود"، قبل أن يكون تابعا لصلاح الدين، واتفق على ذلك في صفر سنة (582هـ = 1186م).
جبهة الصليبيين
في أثناء الفترة التي عمل فيها صلاح الدين على إحياء الدولة الإسلامية المتحدة؛ استعدادا لخطة الجهاد التي رسمها لطرد الصليبيين، ارتبط بعقد هدنة مع هؤلاء الصليبيين مدتها أربع سنوات؛ حتى يتفرغ تماما لتنظيم دولته وترتيب أوضاعها الداخلية.
غير أن أرناط حاكم الكرك شاء بحماقته ألا يترك الصليبيين ينعمون بتلك الهدنة؛ حيث أقدم على عمل طائش نقض الهدنة وأشعل الحرب، فاستولى على قافلة تجارية متجهة من مصر إلى دمشق، وأسر حاميتها ورجالها، وألقى بهم أسرى في حصن الكرك.
حاول صلاح الدين أن يتذرع بالصبر فبعث إلى أرناط مقبحًا فعله، وتهدده إذا لم يرد أموال القافلة ويطلق سراح الأسرى. وبدلا من أن يستجيب أرناط أساء الرد، واغتر بقوته، ورد على رسل صلاح الدين بقوله: "قولوا لمحمد يخلصكم".
ولما حاول ملك بيت المقدس أن يتدارك الموقف أصرّ أرناط على رأيه، ورفض إعادة أموال القافلة وإطلاق الأسرى، فزاد الأمر تعقيدا، ولم يبق أمام صلاح الدين سوى الحرب والقصاص.
مقدمات حطين
عبّأ صلاح الدين قواه واستعد لمنازلة الصليبيين وخوض معركة الجهاد الكبرى التي ظل يعد لها عشر سنوات منتظرا الفرصة المواتية لإقدامه على مثل هذا العمل، ولم تكن سياسة أرناط الرعناء سوى سبب ظاهري لإشعال حماس صلاح الدين، وإعلان الحرب على الصليبيين.
غادرت قوات صلاح الدين التي تجمعت من مصر وحلب والجزيرة وديار بكر مدينة دمشق في المحرم (583هـ = مارس 1187م) واتجهت إلى حصن الكرك فحاصرته ودمرت زروعه، ثم اتجهت إلى الشوبك، ففعلت به مثل ذلك، ثم قصدت بانياس بالقرب من طبرية لمراقبة الموقف.
وفي أثناء ذلك تجمعت القوات الصليبية تحت قيادة ملك بيت المقدس في مدينة صفورية، وانضمت إليها قوات ريموند الثالث أمير طرابلس، ناقضا الهدنة التي كانت تربطه بصلاح الدين، مفضلا مناصرة قومه، على الرغم من الخصومة المتأججة بينه وبين ملك بيت المقدس.
كان صلاح الدين يرغب في إجبار الصليبيين على المسير إليه، ليلقاهم وهم متعبون في الوقت الذي يكون هو فيه مدخرًا قواه، وجهد رجاله، ولم يكن من وسيلة لتحقيق هذا سوى مهاجمة طبرية، حيث كانت تحتمي بقلعتها زوجة ريموند الثالث، فثارت ثائرة الصليبيين وعقدوا مجلسًا لبحث الأمر، وافترق الحاضرون إلى فريقين: أحدهما يرى ضرورة الزحف إلى طبرية لضرب صلاح الدين، على حين يرى الفريق الآخر خطورة هذا العمل لصعوبة الطريق وقلة الماء، وكان يتزعم هذا الرأي ريموند الثالث الذي كانت زوجته تحت الحصار، لكن أرناط اتهم ريموند بالجبن والخوف من لقاء المسلمين، وحمل الملك على الاقتناع بضرورة الزحف على طبرية.
موقعة حطين
بدأت القوات الصليبية الزحف في ظروف بالغة الصعوبة في (21 من ربيع الآخر 583هـ = 1 من يوليو 1187م) تلفح وجوهها حرارة الشمس، وتعاني قلة الماء ووعورة الطريق الذي يبلغ طوله نحو 27 كيلومترا، في الوقت الذي كان ينعم فيه صلاح الدين وجنوده بالماء الوفير والظل المديد، مدخرين قواهم لساعة الفصل، وعندما سمع صلاح الدين بشروع الصليبيين في الزحف، تقدم بجنده نحو تسعة كيلومترات، ورابط غربي طبرية عند قرية حطين.
أدرك الصليبيون سطح جبل طبرية المشرف على سهل حطين في (23 من ربيع الآخر 583هـ = 3 من يوليو 1187م) وهي منطقة على شكل هضبة ترتفع عن سطح البحر أكثر من 300 متر، ولها قمتان تشبهان القرنين، وهو ما جعل العرب يطلقون عليها اسم "قرون حطين".
وقد حرص صلاح الدين على أن يحول بين الصليبيين والوصول إلى الماء في الوقت الذي اشتد فيه ظمؤهم، كما أشعل المسلمون النار في الأعشاب والأشواك التي تغطي الهضبة، وكانت الريح على الصليبيين فحملت حر النار والدخان إليهم، فقضى الصليبيون ليلة سيئة يعانون العطش والإنهاك، وهم يسمعون تكبيرات المسلمين وتهليلهم الذي يقطع سكون الليل، ويهز أرجاء المكان، ويثير الفزع في قلوبهم.
صباح المعركة
وعندما أشرقت شمس يوم السبت الموافق (24 من ربيع الآخر 583هـ = 4 من يوليو 1187م) اكتشف الصليبيون أن صلاح الدين استغل ستر الليل ليضرب نطاقا حولهم، وبدأ صلاح الدين هجومه الكاسح، وعملت سيوف جنوده في الصليبيين، فاختلت صفوفهم، وحاولت البقية الباقية أن تحتمي بجبل حطين، فأحاط بهم المسلمون، وكلما تراجعوا إلى قمة الجبل، شدد المسلمون عليهم، حتى بقي منهم ملك بيت المقدس ومعه مائة وخمسون من الفرسان، فسيق إلى خيمة صلاح الدين، ومعه أرناط صاحب حصن الكرك وغيره من أكابر الصليبيين، فاستقبلهم صلاح الدين أحسن استقبال، وأمر لهم بالماء المثلّج، ولم يعط أرناط، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقّى منه إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: "إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني"، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه، ثم قام إليه فضرب عنقه، وقال: "كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرًا".
نتائج حطين
لم تكن هزيمة الصليبين في حطين هزيمة طبيعية، وإنما كانت كارثة حلت بهم؛ حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل.
وغدت فلسطين عقب حطين في متناول قبضة صلاح الدين، فشرع يفتح البلاد والمدن والثغور الصليبية واحدة بعد الأخرى، حتى توج جهوده بتحرير بيت المقدس في (27 من رجب 583هـ = 12 من أكتوبر 1187م) ولهذا الفتح العظيم حديث آخر.


الساعة الآن 11:45 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir