العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
#121
|
||||
|
||||
القصة السادسة والستون
البذور العجيبة كان بائع الصحف اليومية، يتجول، وهو ينادي بأعلى صوته: "اقرؤوا صحيفة اليوم.. صحيفة اليوم.. أخبار العلم.. جديد العلم.. البذور العجيبة -جديد العالم نزار" ثمة أناس اشتروا الصحيفة وآخرون يتجمعون بغية الإطلاع.. بينما مضى بائع الصحف نحو شارع آخر يطلق صيحاته المعلنة.. "حقاً، إنه خبر يستحق الانتباه" قال بعضهم.. وسرى حديث البذور العجيبة بين الناس بسرعة فائقة.. فالعالم نزار ابن مدينتنا.. وما زاد اهتمام الناس إعلانه أنه سيجري تجارب على هذا الاكتشاف على مرأى من الناس في الحدائق العامة.. "ما الحكاية البذور العجيبة؟" سألني والدي. فقلت: الأقاويل تدّعي أنك بعد أن تغرسها تنمو بسرعة خيالية فلا يمر يومٌ واحدٌ على زراعتها حتى تنمو وتزهو وتثمر.. قال أبي: يا إلهي.. أيعقل هذا!! وهل يتعلق الأمر بنبات محدد؟ قلت: الأقاويل أيضاً تؤكد أن بذور أنوع أي نبات إذا عولجت كما يريد العالم نزار يمكن أن تحمل هذه الصفات.. على كل حال غداً موعد التجربة سيعرض للناس اكتشافه مجرباً على بذرة بندورة.. سيحضر أناس كثير غداً لا شك.. فالجميع متلهفون للرؤية بعد أن سمعوا.. قاطع أبي حديثي: اطمئن.. سنكون من الحاضرين.. صباح اليوم التالي، تجمع مئات من البشر في الحديقة العامة، المكان الذي اختاره العالم نزار لتجريب بذوره العجيبة وكان من بين الحضور علماء مهتمون.. توقفت سيارة تكسي قرب مدخل الحديقة.. ترجل منها العالم نزار يحمل حقيبة صغيرة بيده ويتقدم واثقاً.. اخترق جموع الحاضرين حتى توسطهم.. ثم طلب أن يفسح المجال له لبدء العمل.. وحين أصبحتْ أمامه فسحة كافية. فتح حقيبته وأخرج علبة زجاجية صغيرة.. فتحها واستخرج من داخلها بذرة.. غرسها بيده في تربة الحديقة وطلب إلى الناس أن يراقبوا ما سيحدث في زمن قياسي. لم يطل انتظار الناس فبعد قليل نمت فوق التراب نبتة البندورة وراحت تنمو أكثر فأكثر والناس بين مؤمن بالعالم مصدقٍ لما يرى، وبين مشككٍ فيما يرى.. وبين مدّعٍ أن هذا ما هو إلا سحر وما هي إلا ساعتين حتى تبدت على النبتة براعم سرعان ما تفتحت وأصبحت أزهاراً ولم تلبث أن تحولت ثمار بندورة، بدأت صغيرة ثم أخذت تكبر حتى اتخذت حجماً طبيعياً. وبعد مضي ثلاث ساعات حصل العالم على ثلاث حبات بندورة ناضجة، قطفها، واقتلع.. نبتة البندورة من جذورها بصعوبة فائقة حيث وضعها في كيس أحضره -ربما- لهذا الغرض صفق الناس بإعجاب شديد.. وأخذت تعليقاتهم تشيد بالعلم والعلماء.. وخصوصاً نزار الذي يجب أن يلقى كل تشجيع لمتابعة بحوثه... ثلاثة رجال فقط، من بين جموع الحاضرين ما صفقوا.. وحين بدأ الناس ينصرفون بقوا هم في أمكنتهم.. إنهم العلماء: بسام -وسعيد- وإياد.. وحتى بعد أن غادر العالم نزار مزهواً وعلى وجهه ابتسامة النصر تبادل الرجال الثلاثة نظرات حذرة وتساءل بسام: ما الذي حدث؟ ما الذي رأيناه؟ رد سعيد: علينا أن نتريث في أي حكم.. وفي النهاية كل جهد علمي مشكور.. أضاف إياد: نحن أصحاب خبرة في مجال علم الأحياء.. علينا التريث - كما قلت - في أي حكم لكن في أعناقنا مسؤولية مقارنة فائدة الإختراع الجديد وضرره. فإن كان الضرر أكبر من النفع يجب أن نجتهد في تطوير هذا المكتشف وتخفيف ضرره، أو إلغائه قطعاً.. أما إن كان نفعه أكبر فنشد على يد العالم نزار ونبارك جهوده.. المهم الآن بين أيدينا ابتداع، وعلينا تقصي نتائجه.. قال بسام: لنبدأ بالمنافع الاقتصادية. لا شك أن هذا الاكتشاف سيوفر للناس حاجاتهم من النبات في زمن قياسي.. فيمكن للمرء أن يحوي في منزله بذوراً من أي نبات يشاء. وإذا أراد ثماراً طازجة يزرع على الفور هذه البذور فيجني ما يريد.. إنها إحدى الإيجابيات. رد سعيد: وما يدريك أنها إيجابية؟ ألم تتساءل عن المواد التي يعالج بها بذوره حتى تمتلك هذه القدرة العجيبة على النمو؟ وبينما كان بسام وسعيد يتجادلان.. صرخ العالم إياد انتبها.. انتبها.. أعشاب الحديقة والنبات المجاور لمكان زرع البذور أخذت تصفر وتذبل.. بل إنها تكاد تموت، لا شك إن هذا من أثر البذور العجيبة.. انتبه العالمان بسام وسعيد وإياد لملاحظة صديقهما، وبعد قليل انطلق بسام نحو المختبر الذي يجري فيه بسام وسعيد وإياد تجاربهم.. وعاد بأجهزة كشف، ومواد اتفق الثلاثة على إحضارها. اجتهد العلماء في البحث.. اقتلعوا بعض الأعشاب التالفة، وتفحصوا جذورها، ثم اختبروا تربة من مكان زراعة البذرة العجيبة.. وبعد وقت قصير قال إياد: يا إلهي.. إنها كارثة.. هل مضى نزار ليجرب بذوره في مكان آخر؟ يجب إيقاف نشاطه حالاً.. قال بسام: أجل.. بذوره مزوده بمواد كيماوية تمنحها قدرة على سحب خيرات الأرض التي تزرع فيها.. إنها تمتص النسغ من جذور النباتات الأخرى في مساحة خمسة أمتار مربعة انظر التلف الذي أصاب النباتات المحيطة.. علينا اللحاق به ومنعه من إجراء المزيد من التجارب.. فمن المؤكد أن أي أرض تزرع فيها بذرة كهذه ستبقى فقيرة زمناً طويلاً ولن تستطيع تزويد جذور أي نباتات أخرى بالمواد العضوية اللازمة لنموها.. أسرع العلماء الثلاثة نحو السيارة التي أوقفوها خارج الحديقة.. وانطلقوا يبحثون عن العالم نزار.. وفي السيارة تساءل إياد الذي يتولى القيادة: لا شك أنه استحوذ على اهتمام الناس.. كيف نستطيع إيقاف اكتشافه دون أن نثير سخط الناس؟ رد سعيد: ببساطة، نطلب إلى نزار أن يغرس بذرة في أرض لا نبات فيها وعندها لن يتمكن من إبهار الناس.. تابع بسام: أو ندعوه، ومن يحضر تجربته للبقاء قليلاً بعد إتمام التجربة وملاحظة ما شاهدناه. لا شك أن هذا سيحول إعجاب الناس بهذا الاكتشاف الخطير. لم يكن عسيراً أمر التعرف على مكان نزار.. فجمهرة الناس توحي بوجوده في حديقة عامة أخرى.. أحس نزار بالضيق، وهو يرى تقدم العلماء الثلاثة وقد ارتسمت على وجههم علائم غضب.. إنه يعلم أن إعجابهم لا يولد فوراً.. لكنه ما توقع أن يكتشفوا أمره بهذه السرعة كان نزار يمسك بيده بذرة، ويكاد يغرسها حين جاء صوت العالم بسام: نزار.. توقف! انتبه الجميع للنداء.. قال نزار: لِمَ أتوقف؟ الناس ينتظرون تجربة بذوري العجيبة. أجابه العالم سعيد: يا نزار، كلنا نحب العلم.. نبارك أي جهد علمي نافع. إنما اكتشافك هذا سيؤدي إن انتشر إلى كارثة.. وأنت تعلم ذلك. رد نزار غاضباً: إنه الحسد.. أجل. الحسد بدل أن تحاولوا منعي من إجراء تجاربي وإثبات نجاحي، امضوا إلى مختبركم.. علكم تتمكنون من فعل شيء.. هيا هيا.. لا تضيعوا الوقت. تقدم العالم إياد وقال: نزار.. أمام الجميع أتحداك أن تزرع بذورك العجيبة في أرض لا نبات فيها.. وإن غرستها في مكان مخضر، فإنني سأدعو الناس للبقاء بعد التجربة بعض الوقت ليروا بأعينهم ما الذي سيحدث .. اضطرب نزار لهذا التحدي.. وتظاهر بأنه سيغادر مغضباً.. إلا أن أحد الحاضرين أصر على منعه من المغادرة قبل إجراء التجربة.. فانصاع نزار لهذا الإصرار، وغرس بذرة باذنجان.. وراح الحاضرون يرقبون ما يجري.. أبدوا إعجابهم الشديد بداية وبسرعة نمو مراحل النبتة.. إلا أنهم بقوا ساعة بعد انتهاء الاختبار، حيث جاء دور الثلاثة في إظهار الأثر السلبي لهذا الاختراع.. فتحول إعجاب الناس إلى غضب وسخط على العالم نزار.. أما الرجل الذي أصر على إجراء التجربة، فقد تقدم واثقاً من نزار وأخرج بطاقة تثبت أنه ضابط شرطة.. وطلب من نزار والعلماء الثلاثة بسام وسعيد وإياد مرافقته إلى مركز القسم. ركب العلماء الأربعة سيارة الشرطة.. وحين وصلوا مكتب الضابط المرافق لهم، سمح لهم بالتحاور علمياً في الاختراع الجديد.. وكان يسجل حوارهم على شريط كاسيت.. بدا نزار ضعيفاً، وخجلاً أمام خبرة وحرص رفاقه الثلاثة.. وأقر أن ضرر اختراعه أكبر بكثير من فائدته.. وإنه إن انتشر فسيؤدي إلى إفقار التربة في المكان التي تزرع فيه عندما طلب ضابط الشرطة أن يوقع نزار تعهداً بعدم إجراء أية تجارب على اكتشافه الجديد إلا بعد تفادي ضرره وتسليم كامل الكمية من البذور المعالجة، والمواد المستخدمة في منحها هذه إلى قسم الشرطة ليتم إتلافها. فرضخ. خرج العلماء الأربعة من قسم الشرطة.. كان نزار يسير مطأطئ الرأس فحدثه بسام: لا بأس عليك يا نزار.. كلنا نحاول البحث والاكتشاف.. بذورك قد تصبح يوماً ما ذات جدوى وفائدة قصوى.. المهم في أي كشف علمي ما يقدمه للناس من نفع.. فعلمنا وبحثنا في النهاية لخدمة الناس.. تابع بحثك.. وإن احتجت نصحنا ستجدنا إلى جانبك حتماً.. واعلم أننا أكثر من يسر بأي إنجاز جيد.. ولسنا أبداً كما تصورت حاسدين. قال سعيد: إننا ندعوك لزيارة مختبرنا.. ومشاركتنا أية تجارب مخبرية.. وأضاف إياد: لنكن أصدقاء.. لنتعاون.. فأربعة عقول مجربة مجتهدة خير من جهد فردي. نظر إليهم نزار وكأنما يعتذر عما أقدم عليه، وقال: هل تقبلونني صديقاً؟ أجاب الثلاثة بصوت واحد: بل نحن ندعوك لصداقتنا ستكون صداقة نافعة بإذن الله. ابتسم الأربعة وساروا بضع خطوات، بينما كان حشد من الناس يجتمعون عند باب قسم الشرطة وينادون: البذور العجيبة.. نريد البذور العجيبة.. فخاطبهم نزار: أعدكم أن أعود إليكم بها.. ولكن بعد تعديلات لا بد منها.. وسيساعدني رفاقي بسام وسعيد وإياد في ذلك. ردد الناس: إننا ننتظر.. إننا معجبون بكم.. حياكم الله أيها العلماء.. أنتم زينة هذه الأرض ونعمتها.. وبينما كان الناس يتابعون مدحهم وتشجيعهم .. كان العلماء الأربعة يسيرون مبتعدين.. متجهين إلى مختبر سيضمهم ويستقبل تجاربهم المشتركة منذ الآن.
|
#122
|
||||
|
||||
القصة السابعة والستون
المنقـــذون قال جدي: آه يا زمن البساطة، زمن العيش الهانئ. أتدري يا حفيدي العزيز! كنا نسقي دابة من الماء أضعاف الكمية التي يحلم بها الواحد منا الآن.. آه.. الماء سر الحياة.. ها نحن على مشارف العام 2050 تجاوزنا مخاطر الأمراض والعلل، ويكاد العطش يفتك بنا.. آه لو تزول حضارة الأرض كلها، ونعود لنتناول أوراق الأشجار.. بل وحتى التراب، على أن نتجاوز أزمة المياه هذه.. قال جدي، وقال جد صديقي.. وقال والدي وكل الآباء.. وأمي وجميع الأمهات.. كل الناس أصبح حديثهم، بل وهم يومهم العطش الذي أخذ يفتك بأعداد كبيرة من البشر والحيوانات.. والحرارة التي تكاد تشوي أجساد الناس بلا رحمة.. وكاد الجفاف يقضي على النسبة العظمى من الغابات والأشجار.. وأكثر من ذلك فقد ردّد العلماء أن المخاطر والكوارث المقبلة أقسى بكثير.. فأي ذعر؟ وأي خوف؟ وأي دمار يكاد يفتك ببني البشر وبالحياة على سطح الأرض؟! مصادر المياه جفّت أو تكاد.. ودرجات الحرارة تصل في بعض الأماكن إلى سبعين درجة لم يبق من حل سوى جهود العلماء.. في مركز علمي عملاق، اجتمع خمسة من كبار علماء العالم وهم: عبد الله، راجيف، جان، إيفانوف، أوليفر.. حتى إن أنظار العالم توجهت إليهم بالأمل والترقب.. أبدى كل عالم رأيه، ناقشوا بحثاً قدمه الخبير أوليفر.. تحدث عن إمكانية استمطار كميات كبيرة من الماء.. ومضاعفة البحث عن مصادر المياه الجوفية، ودراسة ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض فضائياً من خلال رحلة فلكية، يحاولون من خلالها الاقتراب من الشمس ما أمكن.. أما إيفانوف فقد اقترح البحث عن كوكب بديل لكوكب الأرض يمضي إليه من استطاع من سكان الأرض عبر رحلات فضائية منتظمة.. وعبد الله تحدث عن أسباب الكارثة، إنه الاستهتار بنعم الله.. فاعترض جان على هذا الحديث.. إلا أن عبد الله أكد أن دراسة الأسباب والسعي إلى إزالتها جوهر الحل.. بعد مضي ساعات على مناقشة طروحات العلماء، اتفق الخمسة على القيام برحلة استكشافية فضائية بغية تعميق الأفكار.. وزيادة فرص الحل. وبعد ذلك بأيام، كانت مركبة الانطلاق جاهزة.. تولى العالم عبد الله قيادة الرحلة، وانطلقت المركبة نحو الفضاء الكوني.. كانت حالة الناس على الأرض تزداد سوءاً.. فالموت بات في كل زاوية، وفرق المتطوعين تقوم -ما استطاعت- بدفن الجثث، والتخفيف من الآلام.. أما الحيوانات فقد انتشرت، هي الأخرى في الطرقات وراحت تصدر أصوات الاستغاثة. مركبة العلماء اتخذت مساراً لها بمحاذاة الغلاف الجوي للأرض.. وراح فريق العمل يراقب انتشار الحرائق في أمكنة كثيرة.. عندها اتفق العلماء الخمسة على ضرورة البحث عن كوكب بديل بسرعة قصوى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بني البشر.. انطلقت المركبة في مسار بحثها الجديد كالبرق.. متحررة من أغلفة الأرض.. الترقب والحزن والخوف.. عناوين كتبت بوضوح على وجوه العلماء.. وهم يناقشون أي طرح جديد.. ويتخذون مساراً لهم كوكب الزهرة. وبعدما اجتازوا مسافات طويلة تنبهوا لإشارات ترتسم على شاشة الاستقبال، كانت هذه الإشارات تزداد وضوحاً.. ثم بدا أن مصدرها صحن طائر أخذ يقترب رويداً رويداً من المركبة.. سارع العلماء للتحاور في أمر هذا الصحن الطائر.. قال جان: أرى أن الإشارات التي نتلقاها تشابه تلك التي سجلتها مراصدنا على الأرض ودرسنا دلالاتها كثيراً.. قال إيفانوف: بكل الأحوال لدينا تسجيل لتلك الإشارات ودراستنا لها حينذاك.. والآن يمكننا تزويد الكمبيوتر بهذه المعلومات لنرى ما يمكن فعله.. تابع عبد الله: تعلمون أنني كنت الأكثر شغفاً بدراسة الإشارات القادمة من سكان الفضاء.. سأتابع الآن علني أستطيع محاورتهم.. اتفق العلماء على إسناد الأمر إلى قائد الرحلة عبد الله.. فزود الكمبيوتر بتسجيل ودراسة الإشارات السابقة. كان الصحن الطائر يقترب ولا تزال شاشة الاستقبال تتلقى الذبذبات الصوتية التي يرسلها.. وخلال زمن قصير جداً جاء صوت عبد الله فرحا: وجدتها.. وجدتها.. بمقدرونا فهم أية إشارات نتلقاها. بل ويمكنني برمجة الكمبيوتر بحيث تحول هذه الإشارات إلى لغتنا المنطوقة. فوجئ العلماء بهذا الإنجاز السريع.. تبادلوا نظرات الدهشة.. فقطع عبد الله دهشتهم. وقال: تذكروا أن الحاجة هي أم الاختراع.. ليس هذا وقت الشرح والتفصيل ولكن دعونا نتلق الذبذبات الصوتية.. سأدخل نظام البرمجة الجديد إلى الكمبيوتر.. بدت السعادة على وجه عبد الله، وهو منهمك في إعداد برنامج جديد لتفسير الإشارات.. وبعد زمن قصير جداً جاءهم إعلانه السعيد: بات الكمبيوتر جاهزاً لتفسير أية إشارات قادمة.. حولوا الذبذبات الصوتية.. ازدادت سعادة عبد الله ودهشة العلماء الأربعة الآخرين وهم ينصتون لصوت مصدره جهاز الكمبيوتر.. يقول: "حاولوا -تفسير- إشاراتنا- نحن- استطعنا- فهم- لغتكم- منذ- زمن- بعيد- أجيبوا- إن- كنتم- قادرين- على- استيعاب- ما- نقول" أرسل عبد الله الرد فوراً: "أجل، يمكننا التخاطب. مرحباً بكم". جاء الصوت من جديد "علمنا -بالمأساة- التي- يعاني- منها- سكان- الأرض -شح- المياه- وارتفاع- الحرارة- ارتفاعاً- كبيراً- لدينا- أجهزة- رصد- لأية- تطورات -على- الكواكب- الحية". قال عبد الله: وهل يوجد الكثير من الكواكب الحية؟ جاءه الرد: "اكتشفنا- حياة- على- ثلاثة- كواكب- حتى -الآن- المهم -سوف -نتخذ-مدارا- حول- مركبتكم- للتحاور-في- مشكلتكم" بدا الصحن الطائر على شاشة استقبال مركبة العلماء. تحولت دهشة العلماء إلى أمل وترقب.. فحديث الكائن الفضائي يظهر حسن نية، ورغبة في المساعدة. بعد انقطاع قصير، عادت الشاشة تستقبل الذبذبات الصوتية من جديد.. فتنتقل فورا إلى جهاز الكمبيوتر الذي يترجمها وفق البرمجة الجديدة إلى حديث منطوق واضح..(هل- جئتم- تبحثون- عن-حل- لمشكلة- الأرض؟" رد أوليفر: أجل -فهل لديكم ما تساعدوننا به؟ قال الكائن الفضائي: "الكارثة -على -الأرض- وحلّها- لا- يكون- إلا- على -الأرض" تحدث عبد الله: هذا ما فكرت به- ولكن الحياة ستصبح مستحيلة بعد فترة على الأرض. تابع الكائن الفضائي: "حاولنا -تنبيهكم- منذ- وقت- طويل- وما- استطعتم- فهم- رسائلنا- لقد- أسأتم- إلى الأرض- كانت- من- أفضل- الكواكب- الحية". قال راجيف: نفكر في إمكانية انتقال البشر إلى كوكب آخر؟ فجاءه صوت الكائن الفضائي: "هراء- عودوا- إلى كوكبكم- أزيلوا- أسباب- المأساة- فالحل- مازال- ممكنا". قال إيفانوف متلهفاً: نتوسل إليكم ما هي الحلول التي نستطيع من خلالها تجنب استمرار الكارثة؟ أجاب الكائن الفضائي: "ما فائدة- الحلول- إن- لم- تنفذ؟" قال عبد الله: أي حل جدير سينفذ إن شاء الله.. تابع الكائن الفضائي: "إذاً- إليكم- مجموعة- بنود- لا بد- من تكاملها- كي- يكون -الحل- ناجحا- لا شك- أنها -خطرت- في- بالكم- إنما - هي- الحل- الأجدى: 1-أوقفوا- جميع-المعامل- التي- تلوث- البيئة- مدة- عشر- سنوات- على- الأقل- أيا- كان- إنتاجها. 2-أوجدوا -الحل- لتعويض- الغلاف- الأوزوني-ما -أصابه- من تلف- فهو- المسؤول- عن- ارتفاع- درجة- الحرارة- إلى هذا- الحد. 3-جندوا -كل- من- يستطيع- العمل - في -زراعة- الأشجار -والغابات- وحاولوا- تأمين -قدر- ولو- ضئيل- من الماء- لها- واعلموا- أن- تدني- نسبة- الخضرة- كارثة. 4-حاربوا- الهدر- بكل- أشكاله- ووجهوا- عقول -الناس - إلى -حتمية -تعاظم- أمر- الكارثة- إن- استمرت- واحرصوا- على-كل -قطرة- ماء. 5-حاولوا- محاصرة - الحرائق- ما استطعتم- ومنع- امتدادها. 6-أقيموا -معامل- تحلية -لمياه- البحار - على -أن- تستخدم-في -الحدود- الدنيا. 7-نفذوا -فكرة-الاستمطار- بعد- أن تفرغوا - من غرس- الأشجار- هذه- الأفكار- نواة- حل-المشكلة- واعلموا- أن- الأرض- التي -تعيشون- عليها - أروع- وأجمل- الكواكب- في- الكون- الواسع - فلا- تدمروها- باستهتاركم- والآن- عودوا- إلى الأرض- فالناس- هناك- بحاجة- لمن- لديه- الحل". كان العلماء الخمسة منصتين لحديث الكائن الفضائي الذي انتهى من إرسال إشاراته، وغاب اتصاله عن شاشة الاستقبال.. ثم اختفى أثر الصحن الفضائي الطائر.. تبادل العلماء من جديد نظرات دهشة.. فقال عبد الله: إن هذا وقت العمل، إنني أرى صدق كل ما ورد في تعليماتهم.. فلنعد إلى أرضنا، عّلنا نستطيع إنقاذها.. بعد قليل، كانت المركبة تتجه نحو الأرض.. وأمام العلماء الخمسة ورقة طبعت عليها أفكار الحل.. وبدأت أذهانهم تعد تصورات التنفيذ. كان الخبر الأكثر أهمية على سطح الأرض وصول مركبة العلماء الخمسة.. فالحالة تزداد سوءاً وبعد مضي ثلاثة أيام فقط.. وضعت تصورات التنفيذ، وبدئ العمل بها.. استجاب الناس لأفكار الحل.. والأمل يراودهم في رؤية اخضرار الأرض من جديد، وتجرع كؤوس الماء حتى الارتواء.. فتوقفت فوهات معامل إنتاج المواد الملوثة للبيئة عن إرسال سحب دخانها المقيت نحو الفضاء.. وأخذ الناس يتبارون في غرس كميات كبيرة جداً من الأشجار في كل مكان.. في الحدائق.. أمام البيوت.. على أطراف المدن.. وما زاد العمل روعة وبهاء انهمار مطر غزير من غير حاجة للاستمطار، وكأنما يد الله تبارك هذا التعاون المثمر من أجل الحفاظ على الأرض.. بدا المشهد رائعاً مؤثراً.. لم يتأخر عن العمل أي قادر عليه فغدا الكوكب الأرضي ورشة عمل متكاملة.. حتى العلماء الخمسة الذين أرسوا بنود الحل ووضعوا تصورات التنفيذ كانوا يشرفون على العمل في مواقعه من بعيد.. من بين النجوم التي تلألأت في السماء.. أخذ يدنو ذلك الصحن الطائر.. وعندما أصبح بمقدوره مخاطبة مركز المختبرات على سطح الأرض أرسل إشارات سجلتها أجهزة الرصد- حيث تمكن عبد الله ورفاقه من تفسيرها فكانت رسالتهم: "بوركتم- هذا -سبيل- إنقاذ- الأرض- ولكن- حذار- من- تناسي- ما حدث- فالمأساة- حينها- ستتكرر- وربما- لا يجدي- عندئذٍ- جهد- منقذين- أمثالكم". تبادل العلماء الخمسة ابتسامات الرضى.. وسعدوا كثيراً وهم يستمعون لقطرات المطر تضرب بقوة زجاج النافذة والرصيف. لأول مرة أرى دموع جدي كان يبكي فرحاً.. الحمد لله.. قُدّر له أن يعيش زمناً يرى فيه اخضرار الأرض من جديد.. ويشرب ماء عذباً حتى يرتوي..
|
#123
|
||||
|
||||
القصة الثامنة والستون
ألحان وألوان أتَمنى أن أسمِعَكُم لحناً من الألحانِ التي ألَّفتُها وأعزفُها على أوتارِ عودي. أثقُ أنني سأفعلُ ذات يومٍ، فألحاني ستجدُ طريقها إلى كلّ أذنٍ تحسنُ تذوقَ الموسيقى، ولكن دعوني الآن أحكي لكم قِصتي التي بدأت مع ولادتي وترافقُ أيام حياتي. اسمي إبراهيم الغساني، عمري أربعةَ عشرَ عاماً. أدرسُ في الصفِ السابعِ لستُ متأخراً بسببِ رسوبٍ أو تقصيرٍ، ولكن تأخرتُ في الانتسابِ إلى المدرسة. وأنا كفيفٌ! هل تدرون ما معنى ذلك؟! الكفيفُ لا يرى من الدنيا إلا اللونَ الأسود. كم كنتُ حزيناً بادئَ الأمرِ، وكم بكيتُ حين كنتُ في السنوات الأولى من عمري. مراتٍ كثيرةً سمعتُ بكاء أمي وأبي، ورغم ذلك بقيَ رفيقي اللون الأسود وسيبقى. فالأطباءُ الذينَ اصطحَبني أبي إليهم على مدى خمسةِ أعوامٍ أكدُوا أنني لن أتمكنَ من الرؤيةِ مدَى الحياةِ. بعدها بدأتُ أحلم وأتمنى. أمورٌ كثيرةٌ حلمتُ برؤيتها، منها ثيابي الجديدة التي تحضرُها لي أمي، وألعابي التي أحبُّها كثيراً والعصفورُ الذي يُسمعني أعذبَ الألحانِ، وبرامجُ الأطفالِ التي يضحك لها شقيقي عادل ووجهُ أمي الحنون، ولكن لا جدوى... لهذا كنتُ أمضي معظمَ وقتي في الغرفةِ المخصصةِ لي ولشقيقي عادل لا أغادرها، وإذا علمتُ بزيارة ضيوفٍ إلى بيتنا أتظاهرُ بالنوم فقد مللتُ من سماع كلماتِ الشفقةِ. يكبرني شقيقي عادل بعامٍ واحدٍ، ولهذا فدخوله إلى الصف الأول من المدرسة أعادني إلى أمنياتي. سمعتُ أبي يحثه على الاجتهادِ، وقال لـه مراتٍ عديدة: العلمُ نورٌ يا بني. وأنا أحبُّ النور، وأحبُّ العلم. الأشهر الأولى لدوامِ شقيقي في المدرسةِ كانت صعبةً، فهو يحبُ اللعبَ كثيراً، ويفضلهُ على التعلمِ، وأبي يبذلُ كلّ المحاولاتِ لتعليمهِ، يقرأ لـه الدروسَ، ويعلمُهُ تركيبَ الجملِ ويبسطُ لـهُ تمارينَ الحسابِ ويلحنُ لـه الأناشيدَ المدرسيةَ، كل ذلك في غرفتنا وأنا أُصغي إلى دروسِ أبي وأعجبُ حينَ يعجزُ شقيقي عادل عن الحفظِ. التزمتُ الصمتَ مراتٍ عدة لكنني أخذتُ بعدها أعيدُ ما يقرأ أبي بمجرد سماعي لـهُ، لفتَ ذلك انتباه أبي فأخذ يشجعني، يسمعني النشيدَ فأعيدُه، يسمعني درسَ القراءةِ فأرددُه كما سمعتُ، وأجري لـه بعض العملياتِ الحسابيةِ البسيطة حين يطلبُ. وكم تنهدَ أبي وقالَ: ليتَني أستطيعُ إرسالَك إلى المدرسةِ. فكرتُ كثيراً: لماذا لا يستطيعُ؟ أليسَ ما أسمعهُ من أبي هيَ الدروسُ التي يشرحونها في المدرسة؟ إنني متأكدٌ من قدرتي على المتابعةِ. مرَّتِ الأيام، وعادلُ اجتهدَ ونالَ إعجابَ معلمهِ، وتوقفَ أبي عن شرحِ الدروسِ لـه، ولهذا طلبتُ من شقيقي أن يقرأ أمامي بعضَ دروسِ القراءةِ والنشيدِ والحسابِ التي يأخذونها في الصفِ. اصطحبني أبي وأمي في زياراتٍ إلى بيوتِ الأصدقاءِ رغمَ اعتراضيَ الدائم فأنا لا أحبُ مغادرةَ غرفتنا. كان يحزنني حديثُ أبي عن إعاقتي التي لا تمكِّنني من القيامِ بأي عملٍ، وحرصُ أمي الزائد عليَ، ومع دخولي عامي السادس أصبحَ شقيقي عادل في الصفِ الثاني، أناشيدُه أجملُ ودروسُ القراءةِ أكثر متعة. لقد أسمعني وحفظتُ منها الكثير، ومساءَ أحدِ الأيامِ سمعتُ أبي يقول لأمي: ما رأيكِ أن نرسلَ إبراهيم ليتعلم في مدرسة القرية؟ إنه طفلٌ ذكيٌ وقادرٌ على التعلم. فبكت أمي وردَّت: لا... إننا هنا نُراعي مشاعره ولا أريده أن يتعرضَ لما يثيرُ حزنَهُ. وتابعت أمي: يمكنكَ أن تعلّمه بعضَ الدروسِ من كتبِ عادل. لكن انشغالَ أبي معظمَ الأوقاتِ أبعَده عن مهمةِ تعليمي. طلبتُ من عادل أن يصحَبَني في لقاءاتِ لعبهِ مع رفاقِه فرفضَ. قالَ إنَّ الألعابَ التي يمارسونَها ستسبب لي الأذى، فقررتُ ألا أطلبَ منه ذلك ثانيةً أحسستُ أن هذه الغرفةَ عالمي وعليَ أن لا أزعجَ أحداً بطلباتي بعد الآن. اللونُ الأسود يشتدُ، ألعابي مللتها، وأنا سجينُ غرفتي. ومساءَ يومٍ ربيعي هبت فيهِ نسمات لطيفة سهرَ في بيتنا عَمّي راشد وزوجته. لقد عادا من السفر منذُ أيام، سمعتُ ترحيبَ أبي وأمي بهما وحديثاً جميلاً عن حبِ الوطنِ. سألَ عمي عنّي فأخبره والدي بحالتي. شدَّ انتباهي اهتمام عمي بي، وبعدَ قليل طلبَ أبي منهُ أن يعزفَ على أوتارِ عودِه الذي أحضرَهُ معه، فانطلقتِ الأنغامُ الشجيةُ الرائعةُ. ما تمالكتُ نفسي فخرجتُ إلى حيثُ يجلسونَ في حديقةِ بيتنا. توقفَ عمِّي عن العزفِ ليرحِّبَ بي قائلاً: حبيبي إبراهيم! كنتَ نائماً؟ فابتسمتُ وقلتُ لـهُ: أرجوك تابع العزف. عادَ عمي يطلقُ أعذبَ الألحانِ. كانت سهرةً من أجملِ أيامِ عمري، وحين أرادَ الانصرافَ قالَ: سأزوركَ يا إبراهيم لأسمعكَ النغماتِ التي تحبها. أراكَ تحبُّ الموسيقى. وكرر عمّي زياراته إلينا. وما انقضَى شهرٌ إلا ونشأت صداقة رائعة بيني وبينه. قال لي يوماً بحضورِ أبي: ما رأيُكَ أن أعلِّمكَ العزفَ على العودِ؟ ضحكتُ، فتابع عمي: إنني جادٌ في ما أقول. عدم قدرتِكَ على الرؤيةِ لا يعني أنك عاجزٌ عن القيامِ بأعمالٍ ممتعةٍ. الكثيرُ من المكفوفينَ يقدمون خدماتٍ كثيرةً لأوطانِهم، ويفعلونَ الكثيرَ من أجلِ أن يتمتعُوا بحياةٍ سعيدةٍ عنوانها العمل والعطاء. قلتُ لعمي متعجباً: وهل أستطيعُ تعلمَ العزفِ حقاً؟ أجابَ: أجل. المهم أن تكونَ لديكَ الإرادة القوية. وضعَ العودَ في حضني، وعلّمني كيفَ أمسكهُ، ثمَّ وضعَ الريشةَ بينَ أصابعي وطلبَ مني أن أداعبَ الأوتارَ بالريشةِ فأصدرتْ صَوتاً جَعلني أبتسمُ. قال عمي: ستتعلم. أنا واثقٌ. تحدثَ أبي: سيكونُ هذا رائعاً. وأمي سألتْ راشد: هل صحيحٌ أنَّ إبراهيم سيتمكنُ من ذلك؟ ردَّ راشد: أجل. أخذتُ أنتظرُ زيارةَ عمي، وهو يحضرُ إلينا ويعلمني، وشيئاً فشيئاً بدأتُ أداعبُ الأوتارَ برقةٍ كما يوصيني. بدأتُ أعزفُ ألحاناً شبيهةً بما أسمعُ عبرَ الإذاعةِ، وعمي يرافقُ عزفي ببعضِ الأغاني العذبةِ، وما مضى الصيفُ حتى قطعتُ شوطاً كبيراً في تعلمِ العزفِ على العودِ. أنتظرُ زياراتِ عمي بشوقٍ كما قلتُ، لكن حينَ زارَنا مع زوجتِه مودعاً أبكاني. أحسستُ أنّ اللونَ الأسودَ يعود من جديدٍ ليحتلَّ كل أيامي وسأفقدُ اللحظات الجميلة التي أعيشُها بوجودِه. لكنَّه فاجأ الجميع حينَ قال لأبي وأمِّي: لي عندكما رجاء. قالَ أبي: تفضل.. تابعَ عمي: أرجُو أن تَسمحا لي باصطحابِ إبراهيم معي. ففي المدينةِ حيثُ سأسكنُ يوجدُ معهدٌ لتعليمِ المكفوفين وأثقُ إنه سيكونُ مثالَ التلميذِ المجتهدِ المتفوقِ. سأهتمُ به، وستتعززُ صداقتي معه. وأخذَ يتحدثُ عن عباقرةٍ مكفوفينَ تميزُوا في مجالاتٍ شتى كالشعر والموسيقى واللغة والعلوم وذكر أسماءَ (طه حسين عميد الأدب العربي وأبي العلاء المعري الشاعر الكبير والموسيقار سيد مكاوي وغيرهم). قالت أمي باكية: لا يمكنني قبول بعده عني، إنني أتابعُ شؤونَه وأهتمُ به. فسألَني أبي: ما رأيُكَ يا إبراهيم؟ أجبتُه: إن كان عمي راشد سيبقى قريباً مني فأنا موافق. إنني أحبُّ التعلمَ كثيراً، وسأتقنُ العزفَ على آلةِ العودِ أكثرُ بوجودِ عمِّي، وسأعودُ حين أكملُ تعليمي، كما أنكم ستزورونني في المدينة أليس كذلك؟ اقتربَ عمّي راشد واحتضنَني وقالَ: ستكون أغلى وأعز صديق. وبعدَ أيامٍ كانتْ رحلَتي الأولى نحَو المدينةِ برفقةِ عمي. سجلَّني في مدرسةِ المكفوفين، وكم كانت سعادتي كبيرةً وأنا أتقنُ تعلمَ القراءةِ والكتابةِ بحروفٍ مخصصةٍ لحالتَنا بسرعةٍ كبيرةٍ. وسرَّني أكثر اهتمامَ مدرستِنا بأصحابِ الهواياتِ حيثُ أتاحوا لي فرصةَ متابعةِ تعلمِ العزفِ على العودِ. أصبحتُ حياتي أكثرَ متعةً وسروراً، واللون الأسود لم يعدْ ذلك العدوَّ المخيفَ لي. زارني أبي وأمي وشقيقي عادل مرات في المدرسة، وكانت سعادتهم كبيرةً حينَ تأكدُوا من تفوقِي في الدروس والعزفِ على العودِ، وزرتُ قريتَنا كثيراً برفقةِ عمي. أصبحَ لديَّ عُوَدٌ خاصٌ بي أعزفُ عليه ألحاناً جميلةً، حيثُ يجتمعُ الكثيرُ من أصدقاءِ عادل وأصدقائي ـ أجل أصبحَ لديَّ أصدقاء أحبّهم ويحبونني ـ ونتبادل الأحاديث الشيقة. في مدرستنا تميَّزَ صديقي نبيلُ بصوتٍ عذبٍ رائعٍ، فاقترحَ معلمُ الموسيقى أن أعزفَ لـه ويغنّي فشكلنا ثنائياً مُوسيقياً ونلنا إعجابَ جميعِ من سَمعنا. وخلالَ أشهرٍ قليلةٍ أخذَ عمي راشد وأصدقاؤُه يساعدُونا على إقامة حفلاتٍ خيريةٍ تقدُم أرباحُها للأسرِ الفقيرةِ، وهذا ما زاد حماسِتي واندفاعي لتقديمِ الأفضلِ باستمرار. اجتزتُ صفوفَ الدراسةِ بتفوقٍ صفاً تلوَ آخر. أنا الآن في الصفِ السابعِ تعلمتُ الكثير من علومِ الموسيقى وألفْتُ العديدَ من الألحانِ التي نالتِ الإعجابَ، كما أنني كتبتُ أبياتاً من الشعرِ بعد أن شجَعني مدرسُ اللغةِ العربيةِ. أحلامي كبرت وأصبحتْ حياتي أجمل. سأكون في المستقبلِ معلمَ موسيقى وسيكون اسمي (إبراهيم الغساني) كاسم الكثيرِ ممنْ تعلمُوا إن الحياةَ تحلو بالعملِ والعطاءِ، والوطنُ يحتاجُ جهودَهم ولو كانُوا مكفوفينَ. بقيَ عليَ أن أخبركم: لم يعد اللون الأسود رفيقَ حياتي الوحيد بل أصبحت الموسيقى والدراسة والصداقة والعطاء كلها ألواناً جديدةً جميلةً زاهيةً تزينُ أيامي.
|
#124
|
||||
|
||||
القصة التاسعة والستون
شجرةُ الأحلامِ جَلستْ أمُ باسم تقرأُ الرسالةَ التي وصلت للتوِّ من زَوجها حسان، وإلى جوارِها ولدها باسم الَّذي أخذَ يُراقبُها بعينيه. لا شكَ في أنَّ كلمات الرسالةِ تحملُ التحيةَ والمحبةَ والشوقَ من الأبِ الغائبِ منذُ أكثرَ من خمسِ سنواتٍ. ولأنَّ الأم تدركُ ما يشغلُ بالَ ولدها الأخرس فقد كانت تقرأ الرسالةَ وتمسحُ بحنانٍ على شعره. وحين انتهت من القراءةِ نظرتْ إليه، وأَشارتْ بيدها ما يعني أنَّ والدهُ سيعودُ إن شاءَ اللهُ. ضمتهُ إلى صدرها وبكتْ. أَعطتهُ الرسالةَ ليقرأَها فأخذَهَا ودخلَ غرفتَهُ. مسحتْ الأمُ دموعَها وهي تسرعُ نحوَ البابِ لتفتحهُ بعد أنْ سمعتِ الجرسَ يرنُّ. إنها صديقتُها ميساء جاءتْ لزيارتِها. جلستا، وسألتها الصديقةُ: ما بكِ يا أم باسم؟ فردتْ: ولدي باسم. أشعرُ بحزنِهِ الدائم بسببِ غيابِ والدِهِ. يرى اهتمامَ الآباءِ بأبنائِهم فيسألني بالإشارةِ: متى يعودُ أبي؟ ولماذا أنا أخرس؟ وأجيبه بالإشارة أيضاً: والِدُكَ سافرَ ليعملَ وإصابتكَ بالخرس هي إرادة الله. كما أُحاولُ أن أوضح لـه أنَّ العلمَ يتطورُ، وقد يستطيعُ يوماً معالجةَ حالتهِ. باسمُ ذكيٌّ وحساسٌّ. قالت ميساءُ: طالَ غيابُ زوجكِ. عليهِ أن يعود ليشاركَ في تحملِ مسؤوليةِ ورعايةِ ولدكما. تابعتْ أمُّ باسم: رسالتُه التي وصلَتْني قبلَ قليل تؤكدُ أنَّه سيعودُ بعد عامٍ. ميساء: كانَ عليكِ أن تأخُذي ولدكِ وتسافري مع زوجكِ. أم باسم: حاولَ حسانُ كثيراً، إلا أنني لا أحتملُ مجرَّدَ التفكير بالسفر. ميساء: وكيفَ ترينَ استجابةَ باسم للتعلمِ في المدرسةِ؟ أم باسم: أصبحَ يجيدُ القراءةَ والكتابةَ، ويتابعُ قصصَ ومجلاتِ الأطفالِ، ومنذُ أيامٍ كتبَ لي أنَّهُ سيُصبحُ كاتباً في المستقبل. قطعَ حديثَهُما صوتُ جرسِ الباب. هذه المرة كانَ أصدقاءُ باسم (رافع ونجيب وسعد) رحبتْ بهم ودعتْهُم للدخول، إلا أنهم شَكروها، وَرَجوها أن تُرسلَ باسم ليخرُجُوا سوّيةً للعبِ. وبعدَ أن انضمَّ إليهِم غادروا وعادتِ الأمُّ إِلى صَديقتِها. ميساء: ربَّما كانَ من الأفضلِ أنْ تُرسلي باسم إلى مدرسةِ الصّمِ والبكمِ. أم باسم: لا توجد في قريتِنا مدرسةٌ متخصصةٌ لهم، ولا يمكن أَن أُرسلَهُ إلى المدينةِ. ثمَّ إنهُ يتعلمُ هنا، فكما قلتُ لكِ هو طفلٌ ذكيٌ، وأصدقاؤُه الثلاثةُ الذين حَضروا الآنَ يحبونَهُ، وهو يحبُّهُم. إنهم يتعلمونَ في صفٍ واحدٍ، ويلعبونَ سويةً لقد تخلّوا عن صديقٍ آخرَ لهم لأنهُ سَخرَ من باسم، رغمَ أنَّ ولدي رجاهُم بالإشارةِ أن يسامِحُوه. إنهم يخرجونَ للعبِ في الحديقةِ قربَ بيتنا مُصطحبينَ معهُم أوراقاً. وأقلاماً وذلك بعدَ أن يُتمُوا واجباتِهم المدرسيةَ. ميساء: وُجودُ الأصدقاء والأحبة خيرُ تعويضٍ ومواساةٍ. * * * يتبع
|
#125
|
||||
|
||||
في الحديقةِ، كانَ الأصدقاءُ الأربعةُ (باسم ورافع ونجيب وسعد) يَجلسونَ قربَ شجرةٍ زيتونٍ خضراءَ فتيةٍ بعدَ أن مارسُوا ألعابَهم البَسِيطةَ التي ابتكرَ أغلبَها باسمُ وقد اعتادُوا أَن يُمضوا بعضَ الوقتِ في أحاديثَ شتَّى تتعلقُ بالمدرسةِ، بمعلميهِم وبرفاقِهم، بِأَحلامِهم.. الأحلامُ التي لا يملّونَ الحديثَ عنها. ويُرفق الأصدقاءُ أحاديثَهم بإشاراتٍ ليتمكنَ باسمُ مِنْ فهمها، وأحياناً يكتبونَ حِواراً على أوارقِهِم. وباسمُ الطفلُ الذكيُّ الذي أتمَّ العاشرةَ من عمرِه يُدركُ الكثيرَ من أحاديثِهم عبرَ حركاتِ الشفاهِ.
كتبَ سعدُ: إننا نتحدثُ كثيراً عن أَحلامِنا. ضحكَ وكتبَ نجيبُ: لا أحدَ يعرفُ بأَحلامِنا إلا نحنُ وهذهِ الزيتونةُ الخضراءُ. ورافعُ كتبَ: حديثنا الدائم عنِ الأحلامِ يَجعلُنا نصمّمُ على تحقيقِ ما نستطيعُ مِنها. وكتبَ باسم: أحلامُنا ستكبُرُ كما تكبُر وتنمو هذه الشجرة. ما رأيكُم أن نُسمِّي شجرةَ الزيتونِ الخضراء التي نُحبها شجرةَ الأحلامِ ويختارُ كلُّ منا غُصناً من أغصانِها ويكتبَ أحلامَهُ على ورقةٍ ويخبّئَ هذه الورقةَ على الغصنِ الذي اختارَهُ وكلما كبرتِ الشجرةُ تكبُرُ أحلامنا. هتفَ نجيبُ وسعدُ ورافعُ: شجرةُ الأحلام! هذا رائعٌ. ستكونُ أغلى شجرةٍٍ على قلوبِنا. بعدَها فكَر سعدُ وكتبَ: وإذا هطلَ المطرُ وبللَ أوراقَ أحلامِنا؟ ردَ عليه رافعُ كتابةً: نعيدُ كتابتَها من جديد. كتبَ باسمُ: حينَ يهطلُ المطرُ هذا يعني أنَّ الشجرةَ ستنمو، وأحلامُنا ستكبرُ. وكل حلمٍ يتحقق سنرسمُ إلى جانبهِ ابتسامةً. نجيبُ قالَ وكتبَ: ليتركَ كلُّ منا ورقةً بيضاءَ ليُضيفَ عَلَيها أحلاماً جديدةً. ومع سعادتِهم بالفكرةِ كانَ الأصدقاءُ الأربعةُ يقفونَ، ويُمسكُ كلٌ منهم بيدِ الآخر مشكلين حلَقَةً، وهُم يغنونَ ويَمْرحونَ والابتساماتُ تزيِّنُ وجوهَهم وباسمُ يحركُ شفتيه كأنّما يُشاركُ أصدقاءَه الغناءَ. وبعدَ قليلٍ جلسَ كلٌّ مِنهم وأمسكَ بقلمِه وأخذَ يكتبُ أحلامَهُ. حينَ عادَ باسمُ إلى البيت لفتَ انتباهَ والدته سعادة تهللَ بها وجهُهُ. سألتْهُ بإشارَتِها وابتسامَتِها، فكتبَ لها عن شجرةِ الأحلامِ. ومنْ كلماتِهِ التي كتبَها شعرتْ أنهُ يعيشُ لحظةَ الفرحِ الكُبرى في حياتِهِ. * * * يتبع
|
#126
|
||||
|
||||
وتوالتِ الأيامُ، وهَطلَ مطرٌ، وكُتِبَتِ الأحلامُ على أوراقٍ كثيرةٍ، وانضمَّ إلى الأصدقاءِ الأربعة صديقٌ جديدٌ هو عمار يماثلُهم سناً وفي صفهم ذاته، ويكاد يتفوقُ على الجميعِ باجتهادِه. غيرَ أن شللَ الأطفالِ تسببَ في ضمورِ عضلاتِ رجلَيه وحدَّ من قُدرتِهِ على الحركةِ.
أم باسم تلقَتْ رسائلَ أُخرى، ومَع كلِّ رسالةٍ كانتِ الابتسامةُ تكبُر. فالغائبُ سيعودُ قريباً.. ما هي إلا أيام وأحدُ أحلامِ باسم التي سطَّرها وحَمَلَتْها شجرةُ الأحلامِ سيتحققُ. ومَع إطلالةِ صبحٍ جديدٍ أيقظَتْ أم باسم ولدها وإِشاراتها جعلتهُ يُدركُ أنَّ عليهِ الاستعداد للانطلاقِ نحوَ المدينةِ، ثم إلى المطارِ لاستقبالِ والدِهِ الحبيب العائد. في المطارِ ابتساماتُ لقاءٍ، ودموعُ وداعٍ. كانت عينا باسم تجوبانِ أرجاءَ المطارِ وأمه تقفُ إلى جوارِهِ. فجأةً: رَبتت على كتفهِ وأشارتْ بفرحٍ كبيرٍ نحوَ بوابةِ العبورِ حيثُ كانَ أبو باسم يحملُ حقيبةً صغيرةً بيدِهِ ويتقدمُ نحوهما. أسرعَ باسمُ يستقبلُ والدَهُ الذي احتضنَهُ بحنانٍ غامرٍ. طالَ عناقَهُما حتى تدخلتِ الأمُّ مرحبةً بزوجِها وبعدَ قليلٍ انطلقتْ بهم سيارةُ أجرةٍ نحو قريتِهم البعيدة. * * * بدأَ أهلُ القريةِ يتوافدون إلى بيتِ أبي باسم مهنئين بالسلامةِ، وباسمُ أمضى معظَمَ وقتهِ إلى يسار والدهِ وبسمتُهُ تحكي لكلِّ من يراهُ مدى سعادته، بينَما كانتْ أمُّ باسم منهمكةً بإعدادِ الضيافةِ للزوارِ، نظرَ باسمُ إلى الساعة. إنها الرابعةَ عصراً. قبّلَ والدَهُ وأشارَ إليه ما يعني أنه سيخرُجُ للعبِ مع رفاقِه.لم يدركْ والدُه ماذا يقصدُ. لكنَّ الأم ابتسمت وأشارتْ ما فَهمَ الولدُ منهُ أنَّ بإمكانِه الخروج وأَخذتْ تَحكي لزوجها عن صداقةِ باسم ورفاقِه وموعدِ لعبهم والفرح الذي يحتلُّ كيانها كلما رأتْ سعادةَ ولدِها بأصدقائِهِ، فَهُمْ جعلوهُ يعيشُ حياةً طبيعةً متناسياً أمرَ الإعاقةِ التي ألمتْ بهِ، وأكثر من ذلك فهمْ يُشعروهُ بحاجتِهم لوجودهِ بينَهُم. أبدى الأبُ ارتياحَهُ لما سَمِعَ، ولكنّهُ قال: بكلِّ أسفٍ الكثيرُ من هذهِ الأمور ستتغيرُ بعدَ انتقالِنا للسكنِ في المدينةِ. استغربتِ الأمُّ قولَ زوجِها. إلا أنَّ جرسَ البابِ قطعَ دَهْشتها، فأجلَّتْ بحثَ الأمرِ. وفي الحديقةِ قربَ شجرةٍ الزيتون الخضراء الفتية كانَ الأصدقاءُ الخمسةُ يجتمعونَ والفرحةُ باديةٌ على وجوهِهِم. إنَّها الفرحةُ بتحقُّقِ أحدِ أحلامِ صديقِهم باسم الذي أحضرَ ورقةَ أحلامِهِ منَ الشجرةِ ورسَمَ بجوارِ حُلمهِ الأول ابتسامة. صفقَ الأصدقاءُ، وباسمُ فتحَ يديهِ متضرِّعاً ـ دونما حديثٍ ـ أن تتحققَ أحلامُ أصدقائِهِ أيضاً. ومن إشاراتِ باسم فهم الأصدقاءُ أن عليهمِ مرافقتَهُ ليسلِّموا على والدِهِ فانطلَقُوا فرحينَ. وفي البيتِ استقبلَهُم الأبُ ورحَّبَ بهم وقدمتِ الأمُّ لهُم الضيافةَ غيرَ أنَّ اضطراباً لم يلحْظهُ باسمُ من قبل بدا على وجهِ أمهِ وحينَ أشارَ إِليها: ما الأمرُ؟ رَبَتتْ على كتفهِ وأشارتْ: لا شَيء. * * * يتبع
|
#127
|
||||
|
||||
جلسَ أبو باسم وزوجتُهُ وابنهما مساءً. كانَ الولدُ يشيرُ بحركاتِ يَديه ووالداهُ منتبهان جَيداً وعلى كلٍّ منْ وجوهِ الثلاثةِ ابتسامةً. فسَّرتِ الأمُّ ما فهمتْهُ من إشاراتِ ولدها. إِنهُ اجتهَد كثيراً بفضلِ أمّهِ وأصدقائِه، ومعلمُه يحبُّه كثيراً ويشجعُه، وهو مصممٌ أن يكونَ في المستقبلِ كاتباً. ثم إنَّ أصدقاءه يفعلونَ دائماً ما يقولُ لهم. بعد أن أنهتِ الأمُّ تفسيرَ إشاراتِ ولدِها تابعتْ: ماذا كنتَ تعني حين قلتَ: إنَّ الكثيرَ من الأمورِ ستتغير؟
أجابَها: آن لنا أن نرحلَ من هذهِ القريةِ النائيةِ. في المدينةِ كلُّ ما يمكنُ أن يحتاجَهُ المرءُ من خدماتٍ، ثم إن مجالاتِ العملِ فيها أكبر، وسيلتحقُ باسمُ بمدرسةِ الصمِّ والبكمِ ويتعلمُ فيها. أنتِ تعلمين أنني أحضرتُ مالاً وفيراً يمكّننا من تحقيقِ حياةٍ رغيدةٍ هناك. قالت أم باسم: أرى أنك اتخذتَ قراراً ولم تسألنا. نحنُ لا نريدُ سكنَ المدينةِ. الخدماتُ متوافرةُ هنا بصورةٍ جيدةٍ، والمدرسةُ في القريةِ تتكفلُ بتعليمِ ولدِنا باسم أما عن مجالاتِ العملِ فيمكنُكَ استثمارُ أموالِكَ في الزراعةِ أو في أيِّ مشروعٍ آخر هنا. ثمَّ إن السعادةَ التي يحياها باسمُ هنا لن تُعوضَ لـهُ في أي مكانٍ آخر. حسان: أَعلمُ أنكُما تحبانِ القريةَ، ولكن ستعتادانِ الحياةَ في المدينةِ أيضاً وستجدانِ الفرقَ الكبيرَ بعدَ انتقالنا. لقد اتخذتُ قراري وانتهى الأمر. تعبتُ في الغربةِ ولن أضيّع ما جنيَته هنا. كان باسمُ يراقبُ ما يدور بين والديهِ. صحيحُ أنهُ لم يفهم كل ما دار ولكنَّه أدركَ أن ثمةَ خلافاً سيؤثرُ على صفوِ حياتِهم. وقفَ وعلى وجههِ علائمُ قلقٍ وحزنٍ، ثم اتجهَ نحوَ غرفةِ نومِهِ. صباحَ اليومِ التالي اتجهَ الأبُ إلى المدينةِ لشراءِ مسكنٍ مناسبٍ، ولقاءِ صديقهِ المحامي عادل للتفكيرِ في مجالٍ يمكنّهُ من استثمارِ أموالِه. بينما أعدتِ الأمُّ طعامَ الفطورِ لولدِها. على مائدةِ الطعامِ لاحظَ باسمُ حزنَ أمهِ فأشارَ إليها بيدِهِ مُستفسراً وأخذَتْ تُشيرُ أن والدَهُ قررَ اصطحابَهُما للسكنِ في المدينة حيثُ الخدماتُ والعملُ والمدرسةُ المناسبةُ. حاولت إقناعَ وَلدها بما لم تَقتنعْ نفسَها بهِ، ولكنَّها فشلتْ وهاهي علاماتُ الغضبِ تبدو جليةً على وجهِ باسم. أشارَ أنه لن يغادرَ القريةَ، وحينَ أكدتْ بالإشارةِ أن والدَهُ مصممٌ على ذلكَ، دخلَ غرفتهُ وما خرجَ منها إلى أنْ حانَ موعدُ لقاءِ الأصدقاءِ عندَ الساعة الرابعة عصراً. وقربَ شجرةِ الأحلامِ اجتمعَ الأصدقاءُ الخمسةُ. كتبَ باسمُ أنَّ والدَهُ مصمّم على الرحيلِ. فسأل رافع: ما الذي يمكننا فعلَهُ؟ قال وكتبَ نجيبُ: نزورُ أبا باسم، ونحاولُ إقناعَهُ بالبقاءِ هنا. هزَّ باسمُ رأسَهُ يائساً، فهو أدركَ أنَّ والدَتهُ بذلْتُ جهداً في هذا السبيلِ ولم تفلحْ. أشارَ سعدُ: سنحاول. ومساءً، حينَ عادَ الأبُ من المدينةِ واجَهَ الأصدقاءَ الخمسةَ عند باب البيتِ. ابتسمَ، فحدثُوهُ راجينَ أن يُلغيَ فكرَة السفرِ. فتبدلتْ علائمُ وجهِهِ من ابتسامةٍ إلى غضبٍ. وصرخَ: ما كان ينقصُني إلا تدخلّ الصغارِ في حياتي. طأطأ الأصدقاءُ رؤوسهُم. وغادَروا المكانَ. حاولَ باسمُ مرافقتهم إلا أنَّ والدَهُ أمسكَ بيدهِ، وشدَّهُ إلى الداخلِ رأتْ أمُّ باسم المشهدَ وقد سمعتْ صراخَ زوجِها فأدركتْ ما حَصَلَ. قالتْ لـهُ: ما كانَ عليكَ أن تعامِلَهمُ بهذه القسوة. إنهم أصدقاءُ باسم الأوفياءُ. ردَّ أبو باسم: لا أريدُ أن أسمعَ مَن يحاولُ تعديلَ قراري. سفرنا إلى المدينة سيكون بعد ثلاثةِ أيامٍ فقد اشتريتُ مسكناً واتفقتُ مع صديقي عادل على إقامة مشروعٍ تجاريٍ مناسبٍ. أفلتَ باسمُ من يدِ والدهِ واتجهَ نحو غرفتهِ حزيناً. فتابعتْ أمُّ باسم: إنكَ لا تهتمُ بمشاعرِ ولدنا الذي أحببْتُ أن أقدمَ كلَّ ما أستطيعُ لإسعادهِ، وفرحتُ وأنا أراقبُ تآلفَهُ وانسجامَهُ مع أصدقائهِ. قالَ حسانُ: ما أفعلهُ هوَ في مصلحتهِ أيضاً، فمدرسةُ الصم والبكمِ ستعلِّمُه ما تعجزُ مدرسةُ القريةِ عنه. توقفَ الحوارَ عندَ هذا الحدِ، فالأبُ العائدُ منَ المدينةِ متعبٌ وعلى الأمِّ أن تهيئ لـهُ طعامَ العشاءِ. * * * يتبع
|
#128
|
||||
|
||||
وفي اليوم التالي وقربَ شجرةِ الأحلامِ وقفَ سعدُ ونجيبُ ورافعُ وعمارُ. قالَ سعدُ: أرى أنَّ الحلمَ الذي تحققَ سيسببُ لنا الحزنَ. تابعَ نجيبُ: بما أنَّ أمرَ السفرِ مؤكد فلنتحدثْ إلى صديقِنا باسم عن جمالِ الحياةِ الجديدةِ التي سيعيشُها.
لنحاولَ مواساته ما استطْعنا. لنخبَرُه أننا سنبقَى أصدقاءَهُ المخلصين وسنكتُب لـهُ الكثيرَ من الرسائلِ. وعامرُ قال: لماذا يريدُ أهلنا أن نعيشَ حياةً مختلفةً؟ نحنُ مع أصدقائِنا وأَحبتِنا نستطيعُ أن نكوَن مثل كلِّ الناسِ. إنني أنسى إصابتي بالشللِ وأنا بينكُم. وعندَ بابِ الحديقةِ بدا باسمُ يتقدمُ وعلاماتُ حُزنهِ جلَيةً. أسرعَ الأصدقاءُ الأربعةُ نحوَهُ. أشارَ إليهم أن يومين يفصلانه عن السفرِ إلى المدينة ولنْ يتمكَن من لقائِهم بعدَ اليومِ وعندما بدأ الأصدقاءُ يشيرونَ بأيديهم ما يُوحي أنَّ المدينةَ جميلة وأنهُم سَمِعُوا الكثيرَ عنها كانَ باسمُ شارداً. ومع محاولاتِهم رَسم الابتسامةِ على وجهِه إلا أنه ظلَّ كئيباً، وقبلَ أن ينقضي وقت لقاءِ الأصدقاءِ انطلقَ الخمسةُ نحوَ أغصانِ شجرةِ الأحلام وأحضرَ كلٌّ منهُم ورقةَ أحلامهِ ليضيف حلماً جديداً إشاراتُ باسم أوضحت لأصدقائه رغبته أن تبقى ورقةُ أحلامهِ وغصنُ أحلامِه بانتظارِ عودتِه. بعدَ قليلٍ كانت الدموعُ تُعبّرُ بوضوحٍِ تامٍ عن حالةِ الحزنِ التي سبَّبها قرارُ والدِ باسم وانطلقَ كلُّ منَ الأصدقاءِ الخمسة نحوَ منزلِ أسرتهِ كئيباً. إنَّهُ حزنُ الوداعِ. * * * حينَ كانَ سائقُ السيارةِ يهمّ بالانطلاقِ كانَ الكثيرُ من أهلِ القريةِ يلوحونَ تلويحةَ الوداعِ لأسرةِ حسان، ومعلمُ باسم أحضرَ تلاميذَهُ رفاق باسم ليقولوا لـه بابتساماتٍ ودموعٍ: معَ السلامةِ.. إلى اللقاءِ يا باسم. وتابَعُوا جَميعاً السيارةَ بعيونِهم حتى أخْفتها الطريقُ. أصدقاءُ باسم (نجيبُ وسعدُ ورافعُ وعمارُ) اتجَهُوا نحوَ شجرةِ الأحلامِ. لم يلعبوا هذهِ المرة، إنما وَقَفوا قُربَ غصنِ أحلامِ باسم. وبعدَ قليلٍ عادَ كلٌّ منهُم إلى منزلِ أسرتِه. وتمضي الأيام.. مرَّ أسبوعٌ على وجودِ أسرةِ حسان في المدينةِ، والابتسامةُ لا زالت غائبة عن وجوهِهم. رغمَ أن حسان اصطحَب زوَجتَهُ وولدَهُ لمشاهدةِ معالمِ المدينةِ الجميلةِ، والتعرُّفِ على مدرسةِ الصمِ والبكم القريبةِ من منزلهم الجديد. لكنَّ حزنَ باسم أثارَ قلقَ والديهِ. حاولتْ أمه أن تصَحَبُهَ للقيام بزيارة إلى السوق ورفضَ. وحاولَ والدُهُ ثانيةً دون جدوى، وباسم بقيَ حبيسَ غرفتِهِ. وصباحَ اليوم التاسعِ استيقظَ حسانُ وزوجتُهُ. أُصيبا بالذهولِ فسريرُ باسم فارغٌ. لقد اختفى. انطلقَ الوالدانِ في رحلةِ البحثِ التي طالت كلَّ الأماكنِ القريبةِ، ثمَّ شملتِ المشافي وأقسامَ الشرطةِ ولم يظفرْ أحدهما به، فعادت الأمُ وتبعها الأبُ واليأسُ بادٍ على وجههِ. أطرقَ قليلاً ثم قالَ: سنعلنُ عبرَ وسائلِ الإعلامِ عن فقدانِ ولدنا. فهزتِ الأمُّ رأسَها ثم قالت: تُرى هل بمقدورهِ العودة إلى القرية؟ ردَّ حسانُ: مستحيل. إنه لا يعرفُ مكانَ مركزِ الانطلاقِ وليسَ بمقدورهِ أن يسألَ ولا يملكُ مالاً.. ولا يمكنُه العودةَ. وبَسَطَ الليلُ جناحَ العتمةِ. أنوارُ البيوتِ أخذت تنطفئُ.. وحسانُ أغفى، لكنَّ زوجتهُ جلستْ عند طرفِ السريرِ تفكّرُ في غيابِ ولدِها باسم. مرَّ الليلُ بطيئاً، ومع قدومِ الصباحِ انطلقَ حسانُ مْنَ جديدٍ في رحلةِ البحثِ وزوجتهُ اختارتْ طريقاً آخر. وفي القريةِ، قربَ جذعِ شجرةِ الأحلام أمضى باسمُ ليلتَهُ. ومع إطلالةِ الفجرِ شاهَدُه صديَقه نجيب. لم يحضرْ إليهِ إنما أسَرعَ مُتلهفاً يخبرُ بقيةَ الأصدقاءِ. وبَعد قليلٍ كانَ الخمسةُ يضمُّهم عناقُ شوقٍ ولهفةٍ. ثم مدَّ كلُّ منهمُ يده إلى ورقةِ أحلامه، فأخرجَها ورسَم ابتسامة إلى جوارِ آخرِ حلمٍ كتبَهُ. أخبَر باسمُ أصدقاءَهُ بالإشارةِ أنَّه لن يعيشَ حياتَهُ بعيداً عنهم.. عن القريةِ.. عن شجرةِ الأحلامِ. بعد أن جلسُوا حاولَ الأصدقاءُ مواساته والتخفيف عنه. ورغمَ إلحاحِهم أن يرافِقَهُم إلى أي بيتٍ من بيوتهم إلا أنه أصرَّ أن يبقى إلى جوارِ الشجرةِ. فلديه الكثيرُ من الأحلامِ التي يجبُ عليهِ كتابتها. أحضرَ الأصدقاءُ لباسمَ الطعامَ والماءَ، ورجاهُم ألا يخبرُوا أحداً بوجودِه خشية أن يُرسلُوا في طلبِ والدهِ الذي سيصحبهُ من جديد إلى المدينةِ وهذا ما يرفُضُه أبلغهم أنه سيبقى في الحديقةِ فالجّو الربيعي سيساعدُهُ. وما انقضتْ ساعاتُ النهارِ حتى وصلت أم باسم إلى القريةِ. انتقلتْ إلى الحديقةِ. لم تُفاجأ وهي تراقبُ ولدهَا المتكئ إلى جذعِ شجرةِ الأحلام.. أسرعتْ إليهِ. حاولَ أن يهربَ، إلا أنها أخذتْ تشيرُ إليهِ أنها لن تعودَ إلى المدينةِ بعد الآن، ضمتهُ إلى صدرها. وفي المدينةِ، حينَ عادَ حسانُ إلى بيتهِ قرأ رسالةً كتبتها زوجتهُ قبلَ أن تغادرَ قالت فيها: (إنني واثقةٌ من و جودِ ولدي في القريةِ حيثُ الأصدقاءُ الذين يحبهم ويحبونه وحيثُ شجرة الأحلام التي لا يمكن لباسم أن يعيشَ بعيداً عنها. إنني اخترتُ البقاءَ إلى جانبِ ولدي في القريةِ وسنكونُ سعيدين إن قررتَ اللحاقَ بنا.. إننا ننتظركَ) فكرَ حسانُ، حدثَ نفسه (ما الذي جعلَها واثقة من وجودِه في القريةِ؟.. ثم ما حكايةُ شجرةِ الأحلام؟ يبدو أنني تصرفتُ بأنانية). بعد قليل أخذَ يجمعُ بعض الأوراقِ في حقيبتهِ، واستقلَّ سيارةَ أجرةٍ سارت به في طريقِ العودةِ إلى القريةِ وحينَ وصلَ كانت ابتسامتُه تقولُ لزوجتِه: لقد قررتُ أن أكونَ معكم. سأَلَها: أين باسم؟ فردتْ: إنهُ نامَ بعد أن أحسَّ بالأمانِ. وروتْ لـه كيفَ تَمَكَّنَ باسمُ من العودةِ إلى القريةِ. إنه كتبَ اسمَ قريتِه على ورقةٍ وأخذَ يُريها لأناسٍ ساعدُوه حتى وصلَ مركزَ الانطلاقِ، ثم ركبَ إحدى الحافلاتِ التي ستنطلقُ إلى القرية بعدَ أن أشارَ للسائقِ أنَّهُ لا يملكُ نقوداً، فسامَحَهُ السائقُ. قال حسانُ: وما حكايةُ شجرةِ الأحلام؟ أم باسم: إنها شجرةُ زيتونٍ خضراءَ فتيةٍ عندَ طرفِ الحديقةِ اختارَ باسمُ وأصدقاؤُه أغصانَها مخبأً لأحلامِهم.. قال حسانُ: أريدُ أن أراها الآن.. أريدُ أن أتعرفَ إلى أحلامِ ولدي ورفاقِه. أم باسم: وأنا معك. وعندَ شجرةِ الأحلامِ وقفَ حسانُ وإلى جوارهِ زوجتُه. فتشَ عن أوراقِ الأحلامِ وحينَ وجدها قرأَ بدايةَ الورقةِ التي سطرَ فيها ولدُه باسمُ أحلامَهُ. كان في مقدمتها حُلمٌ بعودةِ الأبِ سالماً من بلاد الغربةِ، ثم حلم أن يتمكنَ يوماً من التحدثِ والسمع مثل الناس، وحلم باستمرار صداقتهِ مع نجيب وسعد ورافع وعمار وآخرين وأن تتحققَ أحلامُ الأصدقاءِ، وأن تعودَ عافيةُ صديقهِ عمار وأن يكونَ كاتباً في المستقبل، وقرب النهاية سجلَ حلَمهُ أن يغيرَ والدهُ قرارَ الانتقال إلى المدينةِ. انتقلَ بعدَها لقراءةِ ما كتبَ أصدقاءُ ولدهِ. لفتَ انتباهَهُ أن أحلامَهُم جميعها تبدأ بحلمِ عودةِ والدِ باسم، ثم قرأ أحلاماً ترسمُ صُورَ البراءةِ، فسعدُ حَلُمَ أن يرى والده وقد وجدَ عملاً مريحاً يخففُ من متاعبهِ، وحَلُمَ رافعُ أن يرى أسرَتهُ تنتقلُ إلى مسكنٍ جديدٍ يكونُ ملكاً لهم ليرتاحُوا من التنقلِ من منزلٍ مستأجرٍ إلى آخر. أما نجيبُ فقد حلم أن يتمكنَ شقيقُهُ من متابعةِ دراستهِ الجامعيةِ وهو الطالبُ المجدُ حيثُ يقفُ المالَ عائقاً في سبيلهِ، وعمارُ حلم أن يتمكنَ والده من إجراءِ عمليةٍ جراحيةٍ لوالدتهِ التي تعاني من مرضٍ في القلب. أعادَ حسانُ أوراقَ الأحلام إلى أغصانِها، وعادَ برفقةِ زوجتهِ إلى البيتِ. وحينَ قدمتْ لـه فنجاناً من القهوةِ انتبهَتْ لشرودِهِ. قالت لـه مبتسمةً: هل أعجبتكَ فكرةُ الأحلامِ؟ ردَّ عليها: أجل. وأفكرُ كيفَ سأدخلُ السعادةَ إلى قلوبِ هؤلاءِ الأطفال. لقد حلمتُ كثيراً حين كنتُ صغيراً مثلهم. جميع الأطفالِ يحلمون. سأفعلُ ما بوسعي لتحقيقِ ما أستطيعُ من أحلامِهم. * * * يتبع
|
#129
|
||||
|
||||
زارَ حسانُ المدينةَ من جديدٍ، وقررَ أن يوكلَ أمرَ المشروعِ التجاري لصديقهِ عادل فهو سيبدأُ العملَ في مشروعٍ زراعي في القريةِ. بعد ذلك تحدث حسانُ عن حلمهِ في إسعاد الأطفال وفكرته في إنشاءِ جمعيةٍ ترعى أحلامهم وتعملُ على تحقيقها يسميها (جمعية أحلام الأطفالِ). استمعَ عادلُ إلى حديثِ حسان، أبدى إعجابَهُ الشديد وتأييدَهُ المطلق لَفكرتِه، واتفقا على دعوةِ بعضِ الأصدقاءِ للمساهمةِ في تأسيسِ الجمعيةِ.
مضتْ أيامٌ قليلةٌ استعادَ خلالَها باسمُ وأصدقاؤهُ ألقَ صداقتِهم وعادُوا لِلهْوَهِمْ ومَرَحِهِمْ. بعدَ شهرين، وخلالَ اجتماعِ الأصدقاءِ الخمسةِ قربَ شجرةِ الأحلام بدتِ السعادةُ والدهشةُ على وجهِ سعدٍ. قالَ وكتبَ: لقد وجدَ أبي عملاً مُريحاً وبأجرٍ ممتازٍ وذلك بفضل جمعيةٍ اسمُها جمعيةُ أحلامِ الأطفال. وقالَ نجيبُ وكتبَ: تلقَّى شقيقي رسالةً من جامعةِ الأمانةِ تبلغه أنَ عليهِ الالتحاقَ بالجامعةِ لمتابعةِ تحصيلهِ العلمي، وحينَ زارَ شقيقي مقرَّ الجامعة أخبَرُوهُ أنَّ جمعية أحلام الأطفال سددتْ عنُه رسوم التسجيلِ والدراسةِ، ودفعتْ ثمنَ الكتبِ. تفاوتتْ مشاعرُ الأصدقاءِ بين الدهشةِ والفرح وعادَ كلٌّ منهم إلى بيتِ أسرته. كان باسمُ سعيداً، أخذَ يُشيرُ أمامَ والدَيْهِ ما يعني أن ابتسامات أصدقائِه بما تحققَ أروع ما كان يَحلمُ برؤيته. تبادلَ والدا باسم النظرات والابتسام، واحتضنا وَلدهما، وحينَ أفلتَ منهما ودخلَ غرفتَهُ قالت أم باسم: ما تُقدمُ عليهِ مع أصدقائِكَ رائعٌ يا حسان. فأجابها: ما زالَ لدْينا الكثير. سنحاولُ فِعل أيّ شيء يُسعدُ الأطفالَ، ليسَ أصدقاءُ باسم وحسب إنما الكثيرُ من الأطفالِ غيرهم. فأنتِ تعلمينَ أنّ عددَ أعضاءِ الجمعيةِ يزداد، وقدرتُنَا على زرعِ الابتساماتِ على وجوهِ الأطفالِ تكبر. * * * ومرت الأيامُ. المشروعُ التجاريُّ الذي يديُرُهُ عادل شريكُ وصديقُ حسان تألقَ، ومزرعته أخذتْ تنتجُ أجودَ الثمارِ، وتحقُق الكثيرَ من أحلامِ الأطفالِ. كبرَ باسمُ وسعدُ ونجيبُ ورافعُ وعمارُ.. كبرتْ شجرةُ أحلامهم، وبقيت رفيقتُهُم الدائمة، وبعد مضيِّ ثلاثِ سنواتٍ، أي عندما تجاوزَ الأصدقاءُ الرابعةَ عشرةَ عَلم باسمُ أنَ من أسعدَ أصدقاءَهُ وأطفالاً كثر آخرين هو والده من خلال تأسيسهِ جمعيةَ أحلام الأطفال. فرَح كثيراً لكنَّه لم يُخبر أصدقاءَهُ، وصمَم أن ينضمَ حين يكبر إلى جمعيةِ أحلامَ الأطفال وسيكتُبُ قصةً عن والدهِ وهذه الجمعية وأصدقائه وشجرةِ الأحلامِ. أجل.. فمن الأحلام التي قرَّرَ أن يحققَها بنفسه ودون مساعدةٍ أن يُصبحَ كاتبَ قصةٍ، وسيبدأ العمل من أجلِ ذلك منذُ الآن. انتهت
|
#130
|
|||
|
|||
الرد على قصة الفأر يحلّ المشكلة
هذه القصة هى التى تحل مشكلة القراءة بجد فهى قصة رائعة جداً فهى بسيطة وبلا تعقيدات أو مفاهيم لا يفهمها الطفل وهى نموذج رائع للكتابة للطفل حيث يكون الفعل القصصى هو الاساس وليس الوصف ولكن يعبها زيادة العطف -حرف الواو- لأن هذا يعطى رتابة فى جرس الموسيقى للقصة وبما أن هذا الحرف من الممكن أن نخذف فبالتالى فهو لا مكان له
وشكرا يا أخ حسن على مجهوداتك الرائعة
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |