العاب اون لاين: العاب بلياردو | العاب سيارات | العاب دراجات | العاب طبخ | العاب تلبيس |العاب بنات |العاب توم وجيري | العاب قص الشعر |
للشكاوي والاستفسار واستعادة الرقم السري لعضوية قديمة مراسلة الإدارة مراسلتنا من هنا |
|
|
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
|||
|
|||
2-10 فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة تحقق أكبر فتح للمسلمين وهو فتح مكة المعقل الأكبر للشرك آنئذ. فقد نقضت قريش الصلح الذي عقدته مع المسلمين في الحديبية، ونصرت بعض أحلافها على أحلاف المسلمين، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف من المسلمين، وحاول بعض زعماء مكة تجنب المواجهة دون جدوى، فقد خرج أبو سفيان إلى المدينة قبل أن يتحرك منها الجيش ليعتذر عما وقع ويؤكد الصلح، ولكنه أخفق في مسعاه، وخرج ثانية عندما اقترب الجيش من مكة، ولم يستطع أن يفعل شيئاً، فأسلم وعاد إلى مكة ليحذر قريشاً من مقاومة المسلمين، وليطلب منهم أن يستكينوا ويلزموا بيوتهم أو المسجد الحرام فيأمنوا على أنفسهم، ووصل الجيش إلى مكة، وحدثت مواجهة محدودة بين القوة التي يقودها خالد بن الوليد وبعض المكيين، وفتحت مكة وأزيلت الأصنام وارتفع الأذان فوق الكعبة، وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة، ودخلت أعداد كبيرة منهم في الإسلام، وخرجت السرايا لتهدم بقية أصنام الجزيرة العربية، وتابع المسلمون طريقهم شرقاً وانضم إليهم كثيرون ممن أسلموا خلال الفتح أو بعده، وواجهوا قبيلة هوازن في معركة حنين، وهزموها، ثم حاصروا الطائف لبعض الوقت وعادوا إلى المدينة وقد انتشرت كلمة التوحيد في معظم أرجاء الجزيرة العربية. .................................................. ............ 2-11 وفود القبائل من أنحاء الجزيرة إلى المدينة أصبحت المدينة بعد فتح مكة مركزاً يستقطب القبائل واستقبلت الوفود المتوالية من أنحاء الجزيرة العربية كلها تعلن إسلامها طوعاً، وخرجت سرايا الدعوة إلى تبوك ودومة الجندل واليمن فنشرت الإسلام فيها، وبلغت المدينة بدءاً من السنة التاسعة للهجرة أقصى درجات اتساعها وازدهارها في العهد النبوي. .................................................. ........ 2-12 حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج وصحبه آلاف المسلمين من المدينة وما حولها وحجوا معه حجة الوداع واستمعوا لتوجيهاته صلى الله عليه وسلم وهو يودعهم ويستأمنهم على الدين الحنيف. وكان مما قاله في خطبته: ـ إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ـ اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله. ـ تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي. .................................................. .......... 2-13 إلى الرفيق الأعلى عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحج وأمر بتجهيز جيش إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد وقبل خروج الجيش أصابه المرض ثم اشتد عليه فأمر أبا بكر بأن يؤم الناس في الصلاة وما لبث أن لحق بالرفيق الأعلى وذلك في ربيع الأول سنة إحدى عشرة للهجرة. وبوفاته انتهت أزهى مرحلة من حياة المدينة مرحلة النبوة التي صارت فيها عاصمة للدولة الإسلامية الناشئة ومركز التوجيه النبوي للمجتمع المسلم، وحملت بفضلها تراثاً عظيماً يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مرجعاً للمسلمين، واكتسبت مكانة عظيمة في قلب كل مسلم إلى يوم الدين. يتبع ان شاء الله 3 عهد الخلفاء الراشدين ................................................. |
#12
|
||||
|
||||
حفظك الله اخي ورعاك
معلومات مفيدة ومهمة عن بقعة شريفة
|
#13
|
||||
|
||||
بارك الله فيك
|
#14
|
|||
|
|||
جزاك الله خيرا
متابعين لك
|
#15
|
|||
|
|||
اشكر كل من مر وشرفني بمروره على هذا الموضوع
ونتابع ان شاء الله ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- 3 عهد الخلفاء الراشدين ................................................. 3-1 المدينة في خلافة أبي بكر (( 11 ـ 13هـ )) كانت المدينة المنورة في معظم هذا العهد عاصمة الدولة الإسلامية المتنامية ومركز توجيه الفتوحات ونشر الإسلام في الأمصار، ومركز الحركة السياسية والنشاط الاقتصادي. تولى أبو بكر الصديق الخلافة بعد مداولات بين المهاجرين والأنصار جرت في سقيفة بني ساعدة، فبعث جيش أسامة بن زيد الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيزه قبل وفاته إلى أطراف الشام، وامتنعت بعض القبائل التي لم يتمكن منها الإسلام بعد عن دفع الزكاة وارتدت بعض القبائل وادعى بعض الأفراد النبوة، وجمعوا حولهم أنصارهم، واقتربت قبائل أخرى من المدينة طمعاً ببعض المغانم، واجتهد أبو بكر رضي الله عنه في تثبيت الأمن في المدينة، وقاد بنفسه حملات سريعة لإبعاد الطامعين وتأمين المدينة. ولما عاد جيش أسامة بالنصر والغنائم جهز حملات أخرى لتأديب مانعي الزكاة وقتال المرتدين والمتنبئين، وصارت المدينة منطلقاً لحملات نشطة استطاعت أن تعيد الأمن والطمأنينة إلى الجزيرة العربية، ثم تحولت إلى حركة فتوحات في الشام والعراق. وانخرط كثير من أهل المدينة في الجهاد واستشهد عدد كبير منهم معظمهم من حفظة القرآن، فأمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف موحد فجمع. ووردت إلى المدينة الغنائم والسبايا، وأعتق الكثير منهن الإسلام وتزوجن، لينشأ جيل جديد تتعدد دماؤه انصهر في مجتمع المدينة. وتوفي أبو بكر في 22 جمادى الآخرة عام 13 هـ والمدينة عاصمة لمنطقة واسعة تشمل الجزيرة العربية كلها وجنوب بلاد الشام. 3-2 المدينة في خلافة عمر بن الخطاب (( 13 ـ 24 هـ )) تولى عمر بن الخطاب الخلافة سنة 13 للهجرة، وكان إدارياً حازماً صاحب اجتهاد وفراسة، فانتدب الناس للجهاد وتوسيع الفتوحات في بلاد الشام وفارس وفتحها الله في عهده ووردت الأموال الكثيرة إلى المدينة فأحدث عمر ديواناً للعطاء فرض فيه لكل مولود مسلم راتباً سنوياً يأخذه طوال عمره، وأحدث دواوين الجند والبريد، وحرص على تفقد أمور الرعية بنفسه، فكان يخرج في الليل والنهار ويطوف في الأسواق والشوارع ويتتبع أحوال الناس باهتمام بالغ، فعاشت المدينة سنوات من الطمأنينة والرخاء والازدهار وهاجر إليها كثيرون واتسع العمران، وضاق المسجد النبوي بالمصلين فأضاف إليه عمر أرضاً من الدور المجاورة ووسعه. وفي سنة 18 هـ أحدث القحط مجاعة في المنطقة وزحفت القبائل إلى أطراف المدينة تستغيث فخصص لها عمر ما يكفي من الطعام وأقام الموائد الجماعية وكتب إلى الأمصار يطلب النجدة، وكان يطوف بنفسه على البيوت والخيام ويراقب توزيع الطعام وهو جائع لا يأكل حتى يأكل الآخرون، ثم جمع الناس وعلى رأسهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بهم صلاة الاستسقاء فكشف الله الغمة وهطلت الأمطار ووصلت النجدات من الأمصار كما وصلت غنائم الفتوحات وخاصة كنوز كسرى وحاشيته فوزعها عمر على الناس، ونفذ عمر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب، وصفت المدينة وبقية الجزيرة للمسلمين، وانتشر العدل والرخاء وطلب عمر من الله أن يرزقه الشهادة في المدينة، فاستجاب له، وطعنه أبو لؤلؤة المجوسي الحاقد على الإسلام والمسلمين وهو في صلاة الفجر فتوفي بعد ثلاثة أيام في أول المحرم سنة 24 هـ. 3-3
المدينة في خلافة عثمان بن عفان (( 24 ـ 35 هـ )) تولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة بعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في محرم سنة 24 للهجرة، وكان في السبعين من عمره، غنياً وديعاً ليناً. عاشت المدينة ـ والبلاد الإسلامية الأخرى ـ ست سنوات من خلافته في سعة وطمأنينة، وكتائب الجهاد تفتح البلاد والخيرات تفد على المدينة والناس يشتغلون بالعلم وبأمور حياتهم اليومية وتتسع المدينة فتصل إلى جبل سلع والقبلتين وقباء ويبدأ البناء على وادي العقيق ويتفقد عثمان أحوال السوق بنفسه. وفي عام 29 هـ جدد عمارة المسجد النبوي فبناه بالحجارة المنقوشة ووسعه، وفي عام 30 هـ كلف بعض الصحابة بتدقيق المصحف وفق النسخة التي جمعت في عهد أبي بكر وكتبت نسخة موحدة مدققة وأرسلت نسخ منها للأمصار، ومضت السنوات الست في حياة أهل المدينة هادئة وادعة وعثمان يسع الناس بحلمه في أمورهم الدنيوية ويقف بالمرصاد لأي انتهاك للحرمات ويقيم الحدود، وانتشر الثراء بين عدد من أهل المدينة. 3-4 الفتنة الكبرى في عام 32 هـ بدأت خيوط الفتنة على يد يهودي ادعى الإسلام هو عبد الله بن سبأ، استغل الرخاء وحلم الخليفة وبدأ ينسج الشائعات المثيرة حوله، فكُشِفَ أمره وطُرِد من المدينة فخرج إلى الكوفة، ثم البصرة ثم مصر يحرض بمكر شديد على الخليفة وأمرائه ويدعو للثورة عليهم ونجح في استثارة عدد من الناس، فتكاتبوا وتجمعوا في المدينة قبل الحج عام 35 هـ وعاملهم الخليفة بحلمه الواسع أول الأمر فحاورهم ودحض الافتراءات التي استثارتهم، فخرجوا من المدينة، لكنهم ما لبثوا أن عادوا إليها وحاصروا الخليفة في بيته وزعموا أنهم اكتشفوا رسالة من الخليفة إلى والي مصر تأمر بقتلهم، ولم يكن لعثمان جيش أو شرطة قادرة على مقاومتهم، فانتشروا في المدينة وأخذوا يتصرفون في أمورها. وبلغهم أن جيشاً قادماً من الشام لنصرة الخليفة فاقتحموا على عثمان بيته وحاول الشباب من أبناء الصحابة حمايته، لكن أصحاب الفتنة تغلبوا عليهم وقتلوا عثمان وهو يقرأ القرآن. فكان قتله أكبر فاجعة تسوقها الفتنة وعم الاضطراب أنحاء المدينة، وحاول زعماء الفتنة إقناع علي وطلحة والزبير بتولي الخلافة فرفضوا. وبعد ثمانية أيام من الإلحاح والفوضى رأى علي رضي الله عنه أن يتدارك الأمر قبل أن يستفحل فقبل تولي الخلافة ليعالج الموقف بحكمة. 3-5 المدينة في خلافة علي بن أبي طالب (( 36 ـ 40 هـ )) تولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة سنة 36 للهجرة بعد استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان همه الأول إعادة الأمن والطمأنينة إلى المدينة والقضاء علي جذور الفتنة فيها، ثم في الأمصار التي انطلقت منها، واستطاع إخراج المتآمرين منها، وأبعد الأعراب الذين حاولوا أن يستغلوا ظروف الفتنة فزحفوا إلى ضواحي المدينة وانتظم الأمن، وبدأ بمعالجة شؤون الأمصار فعزل الولاة الذين ثارت حولهم الشائعات واستغلها أصحاب الفتنة وأرسل ولاة آخرين. ولكن الفتنة انتقلت من المدينة إلى خارجها، فقد طالب بعض الصحابة ـ وعلى رأسهم السيدة عائشة رضي الله عنها ـ بالقصاص من القتلة وكانت قد خرجت من المدينة للحج قبل استشهاد عثمان، فلما بلغها استشهاده توجهت إلى العراق مع جمع من الصحابة، ورفض معاوية بيعة علي ورد واليه على الشام ورفع شعار الثأر لعثمان، فاضطر علي للخروج بمن تطوع معه لوقف انتشار الفتنة وتوجه للجمع الذي رافق السيدة عائشة رضي الله عنها لإقناعهم بالعودة إلى المدينة، ولكن بعضهم استطاع أن يثير القتال بين رجال علي والجماعة المحيطة بالسيدة عائشة، وقتل عدد من الصحابة حول الجمل الذي كانت تركبه السيدة عائشة، واستطاع علي ورجاله أن يضبطوا الأمور وينهوا القتال، وعادت السيدة عائشة ومرافقوها إلى المدينة معززة مكرمة، ولكن علياً وجيشه لم يعودوا بل توجهوا إلى الكوفة ونزلوا فيها يعدون لمواجهة الخلاف مع معاوية، واستخلف على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري فبدأ الهدوء يخيم على الحياة في المدينة وبدأت تبتعد عن الأحداث الكبيرة التي تجري في العراق والشام، ولكن عدداً من أبنائها كانوا مع علي رضي الله عنه في الكوفة وفي صفين وفي التحكيم بينه وبين معاوية. وتوقف النزوح إليها وباستثناء من بقي من أهلها والوافدين لزيارة المسجد النبوي لم يعد يقصد المدينة أحد، وتقلص عدد سكانها وتقلصت الحركة الاقتصادية فيها تبعاً لذلك. وفي عام 38 هـ توفي سهل بن حنيف أمير المدينة فولى علي أبا أيوب الأنصاري، وكان متقدماً في السن وديعاً فحافظ على سيرة خلفه، وقل عدد القوافل القادمة فازداد الاهتمام بالزراعة لتأمين الحاجة الأولية للغذاء، وعندما شغل علي بقتال الخوارج في العراق أرسل معاوية جيشاً إلى المدينة بقيادة بسر بن أرطأة فتركها أبو أيوب ودخل الجيش سلماً وأخذ البيعة لمعاوية ولكن بسر بن أرطأة نقض الأمان لمن اتهموا بمظاهرة الخارجين على عثمان وقتل من وصل إليهم وهدم دورهم. ثم خرج من المدينة بجيشه واستخلف عليها أبا هريرة فعاد أبو هريرة بالناس إلى حياة الطمأنينة ودروس المسجد النبوي، وابتعد بالناس عن الفتنة. ثم جاء جيش لعلي بن أبي طالب بقيادة جارية بن قدامة. فترك أبو هريرة المدينة. ووصل جارية مع وصول خبر استشهاد علي بن أبي طالب في الكوفة فأخذ البيعة لابنه الحسن بن علي ثم خرج ليلحق بالحسن وعاد أبو هريرة فأحسن الناس استقباله، وواصل سيرته القويمة فيهم، وعاش أهل المدينة تلك الفترة حياتهم بين مشاغلهم اليومية، وحلقات العلم في المسجد النبوي. وما لبثت الفتنة أن خمدت عندما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية، وعاد بمن معه من أهل المدينة إليها، وتحولت المدينة إلى مدينة هادئة، وصارت إمارة من إمارات الدولة الأموية الجديدة. |
#16
|
|||
|
|||
4-4 المدينة في المرحلة الثانية من العهد الأموي ((70 ـ 132 هـ )) ............................................... امتد هذا العهد ستة عقود وانتهى بنهاية الدولة الأموية عام 132هـ ، وتميز بالاستقرار والطمأنينة، توالى فيها أمراء؛ بعضهم لين الجانب يحسن معاملة أهل المدينة ويكرمهم، وبعضهم يشتد عليهم، وبخاصة على الهاشميين من أحفاد الحسن والحسين، و الزبيريين من أحفاد عبد الله بن الزبير، خشية ثورتهم أو تأليب الناس على الأمويين، لكن المدينة التي آلمتها وقعة الحرة من قبل، وأزعجها فترة الصراع بين ابن الزبير والأمويين لم تعد تعبأ بأمور السياسة والحكم، واشتغل معظم الناس فيها بالعلم والزراعة والتجارة، واستغرقتهم أمور حياتهم اليومية، وغالباً ما كان الأمراء الذين يشتدون عليها يعزلون ويعاقبون أو ينتهون نهاية سيئة.بدأت الفترة هذه بإمارة طارق بن عمرو سنتين هادئتين، ثم عين الحجاج أميراً على الحجاز واتخذ مقره في المدينة، فقاسى أهلها عامين كاملين من شدته، وقد آذى بعض الصحابة أمثال أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، بحجة أنهم لم ينصروا الخليفة عثمان أيام الفتنة، ولم تحظ المدينة بأي عطاء أو أموال من عائدات الفتوح، وانحصر العطاء فيمن يقصد الخليفة في الشام وكانوا قلة، ونقل الحجاج عام 75هـ، إلى العراق ليواجه الخوارج وتولى إمارة المدينة يحيى بن الحكم عم الخليفة عبد الملك ثم أبان بن عثمان بن عفان الذي تولى الإمارة خمس سنوات، واهتم بالحركة العلمية وكان من العلماء فهو أول من ألف في السيرة النبوية، ونعمت المدينة بالاستقرار والرخاء. ثم تلاه هشام بن إسماعيل، وكان شديداً تأذى منه الهاشميون، والتابعي الجليل سعيد بن المسيب.. وعاشت المدينة أزهى فترات العهد الأموي في إمارة عمر بن عبد العزيز 86 - 93هـ فقد عمها العدل والرخاء، وتضاعفت مجالس العلم لاهتمام عمر بالعلماء وتقديمهم وجعلهم مستشارين؛ وفي عهده كان تجديد المسجد النبوي بأمر الخليفة الوليد بن عبد الملك واستغرق البناء ثلاث سنوات وكان غاية الإتقان والإبداع وعندما تم حضر الخليفة إلى المدينة وأعجب بالبناء ووزع الأعطيات على أهل المدينة وشيئاً من غنائم الفتوحات وأشركهم في الفتوحات الإسلامية فتدفقت الأموال وراجت التجارة وظلت المدينة واحة العدل والأمان حتى قصدها أهل العراق هرباً من بطش الحجاج وغيره، ولكن الحجاج اشتكى من ذلك وحذر الخليفة من المعارضين في المدينة فأراد الوليد أن يأخذ البيعة لابنه فغضب عمر بن عبد العزيز واعتزل الإمارة، وتولى الإمارة بعده عثمان بن حيان فأخذ الناس بالشدة وطرد اللاجئين إليها من العراق وراقب الداخلين والخارجين على يد الحجاج، ومرت سنوات ثلاث قاسية على أهل المدينة بعدها تولى الخلافة سليمان 96هـ فعزله وعاقبه على قسوته وعين محمد بن حزم فعادت السيرة العمرية من جديد في إمارته وظل والياً عليها طوال خلافة عمر بن عبد العزيز وتحسنت أحوال المدينة وعم الأمن والرخاء. ولما توفي عمر بن عبد العزيز وتولى الخلافة يزيد بن عبد الملك عزل محمد بن حزم وولى عبدالرحمن بن الضحاك الذي أساء إلى أهل المدينة واستمرت إمارته ثلاث سنوات وظلم وقهر بعض الناس وأخيراً أساء إلى فاطمة بنت الحسين، وبلغ ذلك الخليفة فعزله وأوقفه ليقتص المظلومون منه وعاش بقية عمره ذليلاً فقيراً، وتولى عبد الواحد بن عبد الله النضري سنة 104هـ فأحسن إلى أهل المدينة ثم تولى مكانه إبراهيم بن هشام المخزومي سنة 105هـ الذي أساء إلى آل الزبير فشكوه للخليفة حينما قدم للحج فرفع الظلم عنهم وجند أربعة آلاف من أهل المدينة في الفتوحات الإسلامية فعادوا بالغنائم الوفيرة ولكن إبراهيم بن هشام بدأ يستثمر أمواله وبنى في مكان السوق دكاكين ومحلات يؤجرها للتجار فاغتاظ أهل المدينة منه ومالبث أن اشتد على آل الزبير وجلد يحيى بن عروة بن الزبير لأنه هجاه ببعض الشعر ومات يحيى بعد الجلد وبلغ ذلك الخليفة، فعزله وولى مكانه خالد بن عبدالملك بن الحارث، وفي عهده عانت المدينة من القحط حتى سميت فترة إمارته ( سنيات خالد ).وفي عام 108هـ ألحقت المدينة بإمارة مكة وكان أميرها محمد بن هشام المخزومي وامتدت إمارته سبع سنوات إلى نهاية خلافة هشام بن عبد الملك وعامل الهاشميين بالإحسان بناءً على أوامر الخليفة. وفي سنة 122هـ استمال شيعة العراق زيد بن علي بن الحسين وحرضوه على الثورة ضد الأمويين ووعدوه بالنصرة فسافر لقدره وخذلوه كما خذلوا أسلافه من قبل فقتل وأرسل رأسه إلى المدينة لتكون إرهاباً لمن تسول له نفسه الخروج على الخليفة ومات هشام بن عبد الملك سنة 125هـ وتولى الخلافة الوليد بن يزيد وعزل محمد بن هشام وهدم أهل المدينة السوق الذي بناه إبراهيم المخزومي، وتولى يوسف بن محمد الثقفي الإمارة في سنة 125هـ ثم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز سنة 126هـ وعاشت المدينة في عهده أياماً تذكر بها عهد عمر بن عبد العزيز حتى عام 129هـ حيث استدعاه الخليفة مروان بن محمد وعين مكانه عبد الواحد بن سليمان النضري وعلى إثر توليه الإمارة شهدت المدينة حدثاً عاصفاً هو مواجهة فرقة من الخوارج بقيادة أبي حمزة الخارجي، فقد داهم أبو حمزة الناس في عرفة في موسم 129هـ وكان أمير المدينة فيها، فصانعه حتى أفاض من عرفة وسارع إلى المدينة وجهز جيشاً من أهلها على عجل وأرسله لمواجهة الخوارج ولم يكن لهذا الجيش خبرة ولا قدرة على مواجهة الخوارج، وكمن لهم الخوارج عند وادي قديد على بعد 100كم من مكة فقتلوا عدداً كبيراً منهم وفر الباقون ووصل الخوارج بعدها إلى المدينة وهرب أميرها فدخلوها دون حرب، ومكثوا فيها ثلاثة أشهر، حاولوا استمالة أهل المدينة إليهم، ولكن أهل المدينة نفروا منهم لانحرافاتهم العقدية، وأرسل الخليفة مروان بن محمد جيشاً لقتالهم فخرجوا لملاقاته وتغلب عليهم الجيش الأموي وقتل معظمهم وحفظ الله المدينة وأهلها من شرورهم. وتولى الوليد بن عروة إمارة المدينة شهوراً قصيرة ثم تلاه أخوه يوسف بن عروة وكان آخر أمير أموي على المدينة فقد استولى العباسيون على الخلافة عام 132هـ، وأرسلوا قواتهم لتخلص الأمصار من ولاة الأمويين فترك يوسف بن عروة المدينة ليدخلها العباسيون، ولكن قبل ذلك شهدت المدينة حدثاً صغيراً سيكون له أثر كبير عليها في العهد العباسي، وهو البيعة السرية لمحمد بن عبد الله بن الحسن. |
#17
|
|||
|
|||
5
العهد العباسي .................................................. . 5-1 المدينة في العهد العباسي ((132 ـ 656 هـ)) .................................................. .. يمتد العهد العباسي من تسلم العباسيين الخلافة سنة 132 هـ إلى سقوط بغداد بيد التتار سنة 656 هـ. غير أن الخلافة العباسية مرت في هذه المدة بمراحل مختلفة، كانت في بعضها قوية تحكم المناطق التابعة لها، وفي بعضها الآخر ضعيفة تنافسها دول وإمارات انشقت عنها. وقد مرت المدينة المنورة بهذه المراحل وتأثرت الحياة فيها بقوة الخلافة العباسية وضعفها، وانسلخت في بعضها عنها وتبعت الفاطميين ثم تبعت من بعدهم الأيوبيين. لذلك ينقسم تاريخ المدينة المنورة في هذا العهد العباسي الطويل إلى ثلاث مراحل هي: الأولى: مرحلة الارتباط بالعباسيين، الثانية: مرحلة الارتباط بالفاطميين، الثالثة: مرحلة التبعية الاسمية للعباسيين. |
#18
|
|||
|
|||
5-2 مرحلة الارتباط بالخلافة العباسية ( 132 -363 هـ) ......................................... تمتد هذه المرحلة من 132 هـ إلى 363 هـ عاشت المدينة المنورة خلالها فترات متعاقبة من الهدوء والاضطراب السياسي، ومن الأمن والاستقرار، والخوف والقلاقل، ومن ازدهار الحركة العلمية وإقبال طلاب العلم عليها من كل مكان، وتقلص تلك الحركة واقتصارها على أعداد قليلة من العلماء المقيمين أو المجاورين لمدة محدودة. وكان العامل المؤثر في ذلك هو قوة الخلافة ورجالها، ومن ثم قوة من يتولى إمارة المدينة وحكمته. وفي بداية هذه المرحلة كانت المدينة مركزاً نشطاً للحركة العلمية يعيش فيها أعلام الحديث والفقه في مقدمتهم الإمام مالك بن أنس وابن هرمز والقاسم بن إسحاق وعلي بن زيد ومحمد بن عبد الله بن عمر ومحمد بن عمر بن حفص. فضلاً عن تلاميذ الإمام مالك النابهين طلاب العلم الذين يقصدونه من الآفاق البعيدة كالشافعي.. وكانت الحياة الاقتصادية مستقرة على ماوصلت إليه في نهاية العهد الأموي، تعتمد على الزراعة في المقام الأول. أما الحياة السياسية فقد تولى داود بن علي إمارة المدينة لعدة شهور قتل فيها عدداً من الأمويين الذين لم يخرجوا من المدينة وصادر قصورهم وأموالهم، وتوقف الازدهار العمراني الذي نشط من قبل وبدأت مرحلة تقلص تدريجي وخاصة في حي العقيق الترف. ثم تعاقب على المدينة ثلاثة أمراء هم زياد بن عبد الله الحارثي ومحمد بن خالد القسري ورياح بن عثمان المري وكان همهم الأول منع تـفجر ثورة كان يعد لها محمد بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية وأخوه إبراهيم. وكان محمد بن عبد الله هذا يرى أنه أحق بالخلافة فقد بويع سراً أواخر العهد الأموي وكان من المبايعين الخليفتان العباسيان الأولان أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور. وقد نجحت سياسة أبو العباس في موادعة الأسرة الهاشمية في المدينة وخاصة عبد الله بن الحسن والد محمد و إبراهيم في منع الثورة. وعندما تولى المنصور الخلافة تغيرت المعاملة واعتمدت على المكر والشدة وقبض على عبد الله بن الحسن وعدد من الهاشميين وسجنوا ثم نقلوا إلى العراق وقتل معظمهم هناك، فانفجرت ثورة محمد بن عبد الله وأتباعه في رجب سنة 145 هـ وخلع الثائرون بيعة العباسيين وبايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن خليفة عليهم.. استمرت هذه الثورة قرابة شهرين ونصف ولكن محمد بن عبد الله بن الحسن ورجاله لم يستطيعوا أن يمدوا ثورتهم أبعد من الحرمين، وأرسل المنصور جيشاً بقيادة ابن أخيه عيسى بن موسى لإنهاء الثورة، فأعاد الثائرون حفر الخندق وتحصنوا به ولكن الجيش العباسي اقتحم الخندق وأنهى الثورة وقتل معظم المقاتلين فيها. فكانت الوقعة ثاني ملحمة تمر بها المدينة بعد وقعة الحرة غير أنها اقتصرت في هذه المرة على المقاتلين من رجال الثورة. تبع ذلك اضطراب آخر نشب أواخر شهر ذي الحجة بسبب تعديات بعض الجنود الذين قدموا مع الجيش العباسي، قام به مجموعة من موالي المدينة السود انتقموا فيه من الجنود وأخرجوا أمير المدينة عبد الله بن الربيع الحارثي، واستطاع بعض العقلاء من أهل المدينة في مقدمتهم أبو بكر بن أبي سبرة ـ وكان مسجوناً لتأييده ثورة محمد النفس الزكية ـ أن يخمدوا الثورة بالتفاوض مع قادتها، وعاد الأمير إلى المدينة ثم عزله الخليفة لعدم كفاءته الإدارية، وعادت المدينة إلى سكينتها وحياتها اليومية المعتادة، الموزعة بين العمل في الزراعة والتجارة وبعض الحرف وحلقات العلم المزدهرة في المسجد النبوي وبيوت العلماء، في مقدمتهم الإمام مالك بن أنس وعبد الملك بن جريج وجعفر بن محمد.. وغيرهم كثير وتوافد طلاب العلم من الآفاق للتتلمذ عليهم مدة من الزمن. وازداد الاعتماد على الزراعة بسبب توقف وصول القمح من مصر وعمت المدينة حياة الطمأنينة بعد أن أطلق المنصور سراح المعتقلين الثائرين جميعهم وعين أميراً طالبياً عليها هو الحسن بن زيد استمرت إمارته خمس سنوات ثم أعقبه عم الخليفة عبد الصمد بن علي. وفي عام 156 هـ شهدت المدينة سيولاً ضخمة هددت القسم الجنوبي منها وكادت تجتاح المسجد النبوي، ولكن عجوزاً دلت الناس على نفق مغطى، وعندما فتح مدخله تدفقت فيه المياه إلى وادي بطحان. لقيت المدينة عناية أكبر في عهد الخليفة المهدي ومن بعده هارون الرشيد فقد زار المهدي المدينة سنة 160 هـ وأكرم أهلها وجلس إلى الإمام مالك وتزوج إحدى حفيدات عثمان بن عفان واصطحب معه في عودته خمسمائة من رجالها ليكونوا في حاشيته ببغداد وأعاد قوافل القمح المصرية، وأمر بتوسعة المسجد النبوي فأضيفت إليه أرض مجاورة وأعيد بناء قسم كبير منه وزينت جدرانه وأعمدته بالرخام والفسيفساء. كما نظمت خدمات بريدية عامة لأهل المدينة تنقل رسائلهم إلى العراق واليمن وما فيهما.. وفي عام 169 هـ قام أحد الهاشميين هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بحركة تمرد متعجلة ومحدودة، بسبب شدة أمير المدينة على بعض الهاشميين وطلب البيعة لنفسه، ولكن أهل المدينة لم يناصروه لسوء تصرفه ومقاتلته رجال الإمارة قرب المسجد النبوي فخرج منها بعد أحد عشر يوماً إلى مكة وانتهت ثورته بمقتله في معركة (فخ) قربها. وعادت السكينة إلى المدينة المنورة. وقد استمرت العناية بها في عهد هارون الرشيد وتوالى عليها الأمراء وزارها الرشيد وأبناؤه عدة مرات وأكرموا أهلها. وعندما اشتعلت الفتنة بين الأمين والمأمون في بغداد انحاز أمير المدينة إلى المأمون فتواصلت السكينة والطمأنينة فيها إلى نهاية القرن الهجري الثاني، حيث تأثرت بفتنتين هما : فتنة أبي السرايا ـ وفتنة محمد بن جعفر. أما أبو السرايا فقد ثار على الخليفة المأمون ودعا إلى بيعة رجل هاشمي هو ابن طباطبا وأرسل رجاله للاستيلاء على الأمصار، فأرسل إلى المدينة (محمد بن سليمان الطالبي) أميراً عليها. وخرج منها الأمير العباسي وكانت سيرة محمد بن سليمان حسنة مع أهل المدينة، ولكن إمارته لم تطل فقد انتهت ثورة أبي السرايا وعاد العباسيون إلى المدينة فخرج منها محمد بن سليمان ورجاله سلماً. وأما محمد بن جعفر فقد دعا لنفسه بالخلافة في مكة ثم توجه إلى المدينة وهاجمها عدة مراتٍ فتصدى له أهلها بقيادة أميرها العباسي هارون بن المسيب، وردوه عنها. وخسر أهل المدينة عدداً من الرجال. بعد ذلك نعمت المدينة بالاستقرار طوال العقدين الأولين من القرن الثالث. ومنذ بداية العقد الثالث ضعفت الإدارة وبدأت تظهر مشكلة الأعراب الذين يهددون الطرق حولها، ويتجرأ بعضهم فيصل إلى بيوتها وأسواقها، وبدأ تمرد قبائل بني سليم وظهرت آثاره في تهديد الأمن في المدينة وجاءت قوة من بغداد عام 230 هـ بقيادة حماد بن جرير الطبري فضبطت الأمن، وجهز أمير المدينة حملة من أهلها مع القوة الوافدة لتأديب قبائل بني سليم. ولكنها فشلت وقتل كثير من رجالها. فأرسل الخليفة الواثق جيشاً كبيراً بقيادة (بغا الكبير) لتطهير المنطقة من المفسدين وصارت المدينة مركزاً لتحرك الجيش وسجن فيها أكثر من ألف منهم، وقد حاول بعضهم الفرار من السجن وقتلوا بعض الحراس وخرجوا إلى الشوارع، لكن أهل المدينة تصدوا لهم وقضوا على زعمائهم وأعادوا الباقين إلى السجن تمهيداً لسوقهم إلى بغداد. تخلصت المدينة من تهديد المفسدين، ومن بعض الأعراب عدة سنوات بعد هذه الحملة التطهيرية. ولكنها بدأت تتقلص عمرانياً وتجمعت المساكن قرب المسجد النبوي وضاقت الأزقة فيها وهجرت معظم المناطق البعيدة أو أصبحت أشبه بتجمعات سكنية مستقلة مثل منطقة قباء والعوالي والقبلتين، وبدأت المدينة تتأثر بالضعف العام الذي أصاب الخلافة العباسية بعد منتصف القرن الثالث الهجري. وكادت تتعرض لمحنة شديدة عام 251 هـ عندما هاجمها أحد الخارجين على الخلافة العباسية هو إسماعيل بن يوسف.. من أحفاد الحسن بن علي والملقب بالسفاك. وكان قد نشأ بين الأعراب واتصف بالشدة والجفاء، استولى على مكة وقتل الكثيرين فلقب بالسفاك ثم توجه إلى المدينة، ولم يكن الأمير ورجاله قادرين على مواجهته فخرجوا وتصدوا له وثبتوا لحصاره وتحملوا المجاعة ومات عدد منهم بسببها، حتى انصرف عنها عندما علم بقدوم نجدة من بغداد.. فكان موقفهم بطولة شعبية نادرة على إثر ذلك قام أمير المدينة إسحاق بن محمد بن يوسف ببناء أول سور للمدينة يحيط بالكتلة العمرانية حول المسجد النبوي. وبسبب ضعف السلطة المركزية في بغداد وانشغالها بالفتن المتوالية قام صراع بين فريقين من الأسرة الهاشمية لتسلم إمارة المدينة فريق من الحسينيين وبعض الحسنيين، وفريق من الجعفريين وتسلم الجعفريون الإمارة لبعض الوقت، ثم انتزعها منهم الحسينيون عام 266 هـ. حيث جاء محمد بن أبي الساج وتسلم السلطة منهم وعين الحارث بن سعد على إدارتها، فضبط الأمن وقبض على عدد من المفسدين. وتفجر الصراع مرة ثانية عام 269 هـ ثم ظهر بعض الطالبيين المنحرفين، وهم أفراد قلائل من الأسرة الهاشمية الكريمة ساءت نشأتهم وشذوا عن أخلاق هذه الأسرة وعاشوا بين الأعراب أو مع المفسدين وصاروا مثلهم، لا يحملون شيئاً من العلوم التي اشتهر بها الهاشميون ولا من شيمهم، وقد أقلق هؤلاء المنحرفون أهل المدينة عدة مرات وقتلوا ونهبوا وآذوا الناس وكان منهم محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر الحسيني فقد أغارا على المدينة مع رجالهما عام 271 هـ. وقتلوا عدداً من الهاشميين وغيرهم ونهبوا الأموال ثم غادروها. وقبل نهاية العام وصل جيش عباسي بقيادة أحمد بن محمد الطائي استطاع أن يثبت الأمن في المنطقة فعادت السكينة إلى المدينة وصارت واحة للأمن وسط الاضطرابات الكثيرة في المناطق الأخرى وازدهرت فيها حلقات العلم ثانية وكثر الوافدون من طلاب العلم والمجاورين الذين يقيمون فيها مدة من الزمن، وبعضهم يؤثر أن يقضي بقية عمره في رحابها أملاً في أن يحظى بمثوى في مقبرة البقيع. وخلال العقود الستة من القرن الرابع الهجري، وقبل أن تدخل المدينة تحت النفوذ الفاطمي استمرت الحياة هادئة في الغالب يقضيها الناس في شؤونهم اليومية، بين العمل في الزراعة والتجارة وبعض الحرف والخدمات، وبين الصلوات في المسجد النبوي وحضور حلقات العلم فيها ولقاء الوافدين من علماء المسلمين من أقطار العالم الإسلامي. ولم يعكر هذا الصفو إلا اضطرابات طارئة يسقط ضحيتها بعض المتصارعين على السلطة وأتباعهم ثم تنتهي الأزمة بسيطرة أحد الفريقين المتصارعين وانسحاب الآخر فقد تجددت الصدامات بين الحسينيين ـ ومن معهم من الحسنيين ـ والجعفريين عام 348 هـ ووقع عدد من الضحايا وأرسل الفاطميون من المغرب من يصلح بين الفريقين ويتحمل ديات القتلى ثم خرج الجعفريون من المدينة إلى بعض القرى، ومنها إلى صعيد مصر وخلت إمارة المدينة للحسينيين. كما أن الإخشيديين الذين استولوا على مصر وثبتوا حكمهم فيها عام 330 هـ. مدوا نفوذهم الاسمي إلى المدينة، فقد أقر الخليفة العباسي الإخشيد (محمد بن طغج) على ولاية مصر وضم إليه الحجاز، ولكن سلطته كانت اسمية فقط لا تتعدى ذكر اسمه على المنبر والدعاء له بعد الخليفة العباسي. وقد فرح الإخشيديون بذلك وخاصة كافور الإخشيدي وأرسلوا الأموال والأعطيات لتوزع في الحرمين الشريفين. وظل هذا الولاء الاسمي حتى عام 357 هـ حيث قطع ذكرهم لانتهاء دولتهم في مصر واقتصر الدعاء بعدها على ذكر الخليفة العباسي ثم أمير المدينة الحسيني إلى أن دخلت المدينة تحت نفوذ الفاطميين سنة 363 هـ. |
#19
|
|||
|
|||
5-3
مرحلة الارتباط بالفاطميين (( 363 هـ ـ 463 هـ )) ........................................ كانت المدينة في النصف الأول من القرن الرابع الهجري صغيرة وضعيفة وهدفاً لغزو الأعراب وعندما اشتد أمر دولة الفاطميين في مصر أعلن أمير المدينة، وأمير مكة، الولاء للفاطميين عام 363هـ، وذلك بسبب الروابط المتينة بينهم (التشيع)، ولموقف سابق للفاطميين أصلحوا فيه بين الهاشميين المتنازعين في الحجاز (بنو الحسن والحسين من جهة وبنو جعفر من جهة أخرى) وفرح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بهذا الولاء وأرسل الأموال والهدايا. وكانت العلاقة بين أمراء المدينة والفاطميين مضطربة، فأحياناً كانت لا تتعدى الولاء الاسمي، ولذا كانت تتحول إلى العباسييين بين الفترة والأخرى، وذلك لعدم اهتمام الفاطميين بحاجات أهل المدينة، وضعف الإدارة، كما أن حكام مكة المتمردين على الدولة الفاطمية ضموا إليهم المدينة مدة تمردهم. ففي عام 365هـ لم يهتم الخليفة الفاطمي العزيز بالله باحتياجات المدينة فخلع أميرها الولاء وتحول إلى العباسيين، فأرسل العزيز بالله جيشاً هدد المدينة عام 367هـ فأعاد أميرها الولاء للفاطميين ولكنه خلعه بعد سنة واحدة وأعاده للعباسيين الذين أرسلوا أموالاً جزيلة لبناء سور قوي حول المدينة وتحسين أحوال أهلها، ولم يعد الولاء للفاطميين حتى عام 380هـ، عندما وصلت حملة عسكرية فاطمية حاصرت المدينة، فآثر أميرها طاهر بن مسلم (مؤسس حكم آل مهنا) السلامة، فخطب للفاطميين في المسجد النبوي فامتد حكم آل مهنا لها وهم في ولائهم الاسمي للفاطميين، ولم يتأثر أهلها بالدعوة الفاطمية، وعقائدها بسبب تراثهم العريق من السنة النبوية والعلماء الذين كانوا يدرسونه في المسجد النبوي، وغضب الفاطميون لذلك وأوعز الحاكم بأمر الله الفاطمي لأمير مكة أبو الفتوح بالاستيلاء على المدينة وطرد آل المهنا منها واتساع المجال للدعاة الفاطميين كي يؤثروا في أهل المدينة. فاستولى أمير مكة أبو الفتوح عليها وأخرج آل المهنا منها لبعض الوقت ثم أعادهم إليها وجعلها تابعة لإمارته. 5-4 أهم الأحداث في العهد الفاطمي ........................... عانت المدينة من الاضطرابات التي ظهرت في الدولة الفاطمية وخاصة في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي، فقد أمر جنوده بنقل جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصر ولكن الله سبحانه وتعالى حماه، إذ هبت ريح شديدة وأظلم الجو وخاف الجنود الفاطميون وتراجعوا عما هموا به. وأمرهم في مرة ثانية بنقل محتويات بيت جعفر الصادق فنقلوها إلى مصر. وعندما تولى شكر بن أبي الفتوح إمارة مكة عام 436هـ هاجم المدينة وطرد آل المهنا منها وعين بعض الحسينيين عليها وظلوا عليها حتى عام 463هـ حيث أعادهم أمير مكة أيضاً محمد بن جعفر، الذي خلع ولاء الفاطميين وخطب للعباسيين وعين الحسين بن المهنا أميراً على المدينة. كما عانت من القحط و انقطاع الميرة عدة سنواتٍ بسبب غضب الفاطميين، وضعف السلطة في بعض السنوات واستغل ذلك الأعراب وقطاع الطرق وهاجموا المدينة أو القوافل القادمة إليها. وبهذا التاريخ انتهت تبعية المدينة للفاطميين وعادت للخلافة العباسية، ولكن الفاطميين ظلوا حتى نهاية دولتهم سنة 567 هـ يتوددون إلى أمراء المدينة ويرسلون بعض الأموال والهدايا أحياناً أملاً في أن يعود الولاء إليهم. وثمة رواية تقول أن الحافظ بالله حاول أيضاً نقل جسد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصر وأرسل أربعين رجلاً من الأشداء، بدأوا بحفر نفق عميق، ويروى أن النفق انهار عليهم ودفنهم أو أنهم اكتشفوا وضربت أعناقهم. لم يترك الفاطميون آثاراً تذكر في المدينة، باستثناء تشيع أعداد قليلة من أهلها أو المقيمين فيها، ولا نجد آثاراً فكرية أو مؤلفات تدعو لهم كما لانجد آثاراً عمرانية أو حضارية تظهر عنايتهم بالمدينة أو بمسجدها النبوي، رغم أن الفاطميين تركوا آثاراً كثيرة في مصر أهمها الجامع الأزهر ومساجد أخرى كثيرة. 5-5 مرحلة الارتباط بالأيوبيين (( 564 ـ 652هـ )) ...................................... عاشت المدينة المنورة مدة طويلة من العهد الأيوبي في طمأنينة وسعة فقد اهتم بها الأيوبيون منذ أن كانوا يحاربون لإقامة دولتهم أو توسيعها. وكان أول من اهتم بها نور الدين زنكي الذي عني بطرق الحج ووزع أموالاً جزيلة على القبائل المقيمة قربه كي تؤمن المسافرين والقوافل وأرسل أموالاً وافرة إلى المدينة لإصلاح موارد المياه والطرق الداخلية وعندما زار المدينة سنة 557هـ ناشده بعض أهلها أن يبني سوراً جديداً يستوعب الامتداد العمراني الذي ظهر خارج السور القديم فاستجاب لهم وأرسل الأموال اللازمة وبنى سوراً جديداً كبيراً حفظ أهل المدينة من الغارات، وينسب إليه أيضاً أنه أمر بإقامة جدار من الرصاص حول القبور الشريفة في المسجد النبوي بعد أن اكتشف محاولة بعض النصارى المتسترين حفر نفق إليها لسرقة جسد الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بإيعاز من بعض ملوك الصليبيين. وقد أحسن أمراء المدينة وهم من آل المهنا ولاسيما القاسم بن مهنا إقامة الروابط مع الأيوبيين ومع الخلافة العباسية، وكان مقرباً إلى صلاح الدين الأيوبي الذي عني بالحرمين الشريفين وأرسل الأموال الجزيلة إلى أميرها مقابل إسقاط الضرائب عن الحجاج كما أرسل الأموال إلى القبائل لحماية القوافل والحجاج رغم انشغاله بالحروب الصليبية وحاجته الماسة إلى المال لإنفاقه عليها. ومن مآثر صلاح الدين الأيوبي في المدينة أنه خصص الخدم للمسجد النبوي وجعل لهم أوقافاً في مصر لدفع رواتبهم، وكان هذا بداية لنظام الأغوات والذي استمر بعد ذلك إلى عصرنا الحاضر. |
#20
|
|||
|
|||
6
العهد المملوكي ................................. 6-1 المدينة والمماليك (( 648 ـ 923 هـ )) .................................... عاشت المدينة في هذا العصر فتراتٍ مختلفة من الاستقرار والاضطراب وظهر فيها علماء وأدباء كما ظهر أصحاب فتن وقلاقل، فكانت الحياة فيها تسير في تيارين متضادين: تيار العلم والعبادة وأعمال الكسب اليومية، وتيار الصراع السياسي والعسكري بين أبناء الأسرة الواحدة على الإمارة، ومع أبناء العم حكام مكة أحياناً وكانت هذه الصراعات تؤثر على أهل المدينة أحياناً وأحياناً تقتصر على المتصارعين وأتباعهم. وطوال هذا العهد كانت المدينة المنورة مرتبطة بالسلطان المملوكي في القاهرة وكان هذا الارتباط سياسياً ومالياً محدوداً، أما الجانب السياسي فيه فيشمل تولية الأمير بمرسوم سلطاني وعزله، وتكريمه أو القبض عليه وسجنه حتى الموت. ولكن التولية والعزل محصورة في آل المهنا: الأسرة الحسينية التي توارثت الإمارة معظم هذا العهد فقد يعزل السلطان أميراً ويولي أخاه أو ابن عمه ولكن لا تخرج الإمارة عن الأسرة. كما يشمل الارتباط السياسي تعيين القاضي لمدة نصف سنة فقط يأتي من مصر مع أحد القافلتين، قافلة الحج أواخر ذي القعدة وقافلة العمرة أوائل رجب. وأما الجانب المالي فيشمل الرواتب والأعطيات التي يرسلها السلطان لأمير المدينة وعدد من الأعيان والأشراف فضلاً عن الصدقات المخصصة للفقراء والمجاورين والأربطة. وكان لهذا الارتباط السياسي في بعض الحالات آثار سلبية. تزيد حدة الصراع بين أفراد الأسرة الواحدة وذلك عندما أصبح تولية الأمير وعزله يعتمد على الوشايات أو الرشاوي والهدايا السنية. ومن الأخطاء التي وقعت في هذا المجال أن السلطان المملوكي كان يعين أحياناً أميرين على المدينة ويطلب منهما أن يشتركا معاً في الحكم، فيختلف الأميران بعد حين ويقع الصراع السياسي وقد يتحول إلى قتال بين رجال كل منهما. 6-2 أهم الأحداث في العهد المملوكي ............................................. شهدت المدينة في هذا العهد أحداثاً متميزة، أهمها: البركان الذي انفجر في حرة واقم (الحرة الشرقية) في رجب سنة 654 هـ، وبعض السيول والزلازل، والأوبئة واحتراق المسجد النبوي مرتين، والصراع على الإمارة في بعض الفترات. وكل ذلك أوقع الخوف والذعر في نفوس أهل المدينة، فلجؤوا إلى المسجد النبوي باكين متضرعين لله كاشف الغمة، وجاء الأمير منيف بن شيحة فتبرأ من الظلم وأعتق مماليكه وتدفق نهر من الحمم البركانية باتجاه المدينة ثم انعطف شمالاً ونجَّى الله المدينة من ويلاته، وقد استمر تفجره اثنين وخمسين يوماً ثم هدأ. والطريف أن المصادر التاريخية القديمة كلها لم تكن تستخدم مصطلح بركان، ولا كان الناس يعرفونه بل كانوا يطلقون عليه (النار العظيمة). وفي رمضان من العام نفسه كان أحد خدام المسجد النبوي في مخزن المسجد يحمل سراجاً يستضيء به فاشتعلت النيران في المخزن ثم امتدت إلى أرجاء المسجد فاحترق السقف وسقط واحترق معظم ما في المسجد باستثناء الحجرة الشريفة. وانتشر الخبر في أرجاء العالم الإسلامي فأرسل المستعصم ـ آخر الخلفاء العباسيين ـ والسلاطين الآخرون الأموال وأعيد بناء المسجد. وفي عام 672 هـ أرسل السلطان المملوكي قلاوون أموالاً فبنيت القبة فوق الحجرة الشريفة لأول مرة. وعندما سقطت الخلافة العباسية في بغداد أصبح ارتباط إمارة المدينة بالسلطان المملوكي في القاهرة أكبر وصارت مراسيم التولية والعزل تصدر منه. وكان السلاطين يحترمون أمراء المدينة بسبب نسبهم الهاشمي ويحصرون الإمارة في الأسرة التي تتولاها.. وعندما تتفق الأسرة على تولية شخص معين أو عزله وتكتب بذلك محضراً للسلطان فيوافق السلطان عليه ويرسل مرسوماً بذلك. وفي سنة 664 هـ أقر السلطان بيبرس جماز بن شيحة وابن أخيه مالك بن منيف بن شيحة أميرين بالشراكة ونتج عن ذلك خلاف شديد بين الأميرين حشدت له الرجال، وجاء جيش من مكة ليعضد جمازاً ولكنه عاد دون نتيجة. وأخيراً تنازل مالك طوعاً عن الإمارة لعمه. وتعد إمارة جماز بن شيحة على المدينة منذ أن شارك ابن أخيه مالك بن منيف حتى تنازله لابنه منصور عام 700 نموذجاً لحالات الصراع على الإمارة داخل الأسرة الواحدة، والصراع على النفوذ والسلطة مع أبناء العم حكام مكة والحسنيين. فعندما انتهى صراع جماز مع ابن أخيه وتسلم الإمارة وحده أكثر من ربع قرن شارك في الصراع القائم بين أمراء مكة وهم من آل قتادة الحسنيين، وانحاز إلى فريق ضد الفريق الآخر، فخرج مع حملة من أهل المدينة ليناصر غانم بن إدريس ضد أبي نمي فأخرجه منها سنة 669 هـ واحتل مكة أربعين يوماً ثم كر عليه أبو نمي فأخرجه منها. وعاد بحملة أخرى عام 673 هـ فصالحه أبو نمي مقابل مبلغ من المال. وعاد مرة ثالثة عام 673 هـ مع أمير ينبع لقتال أبي نمي وهزم، وعقد صلحاً مع أبي نمي. وهذا نموذج للاضطراب وسوء العلاقات السياسية ولكن جماز بن شيحة نجح بعد ذلك في إقامة علاقات حسنة مع أمير مكة والسلطان المملوكي قلاوون، و استطاع أن يثبت الأمن والاستقرار في المدينة حتى نهاية إمارته عام 700 هـ. وتكررت هذه الصورة للحياة السياسية في السنوات اللاحقة حيث ينجح أمير المدينة في تثبيت الأمن والاستقرار مدة من الزمن ثم ينشغل بصراعات مع بعض إخوته أو أقاربه الطامعين في الإمارة وقد يستعين المنافس بقبائل خارج المدينة أو بأمراء مكة وينبع فتتحول الخصومة إلى صدام تتأذى به المدينة حتى يُقضى على أحد الخصمين بشكل ما. فقد حدثت هذه الوقائع في عهد منصور بن جماز الذي امتدت إمارته ربع قرن من 700ـ إلى 725 هـ، بدأ العهد بفترة استقرار مدتها تسع سنوات ثم تلتها فترة اضطرابات بسببها طمع طفيل شقيق منصور في الإمارة، فرحل إلى القاهرة واستصدر مرسوماً يقضي باشتراكه في الحكم وعاد إلى المدينة ومنصور غائب عنها فهاجمها برجاله وفشل في اقتحامها بسبب مقاومة كبيش بن منصور وخسر حياته، وثأر ماجد بن طفيل لمقتل أبيه واستعان بأمير ينبع فأمده بالمال والرجال، وهاجم المدينة عدة مرات دون جدوى حتى عام 717 هـ حيث دارت معركة عند جبل سلع قتل فيها ماجد واستراحت المدينة من فتنته، لكن أقرباءه استطاعوا الثأر له عام 725 هـ ففاجأوا الأمير منصور وهو في عدد قليل من رجاله وقتلوه وتولى ابنه كبيش الإمارة واستمر مسلسل الثأر والانتقام من الطرفين فقتل كبيش قتلة أبيه ثم دفع حياته ثمناً لذلك عام 728 هـ. مقابل ذلك كانت المدينة تعيش في هدوء وطمأنينة عدة سنوات، عندما يحسن الأمير تسيير الأمور بحكمة وعدل، ويحسن العلاقة مع أفراد أسرته وأبناء عمومته والقبائل المحيطة بالمدينة فتزدهر الحياة الاقتصادية وتكثر القوافل التجارية وقوافل الزائرين الوافدة، ويشتغل الكثيرون بالعلم في حلقات المسجد النبوي وفي الأربطة والمدارس التي بدأت تظهر ويزداد عددها. ومثال ذلك الفترة التي مرت بها المدينة في إمارة عطية بن منصور سنة 760 إلى 773 هـ وكانت المدينة قبل إمارته قد تعبت من كثرة الاضطرابات السياسية واستمر الصراع على الإمارة بين بعض المتنافسين عليها من آل المهنا، وعندما قتل الأمير جماز غيلة اجتمع كبار آل المهنا وتداولوا فيمن يتولى الإمارة، فاستقر الرأي على عطية بن منصور الذي عرف بتدينه وزهده وحسن خلقه، ولم يكن معهم في الاجتماع فكتبوا بذلك محضراً للسلطان المملوكي حمله أحد أفراد الأسرة، وعاد بالمرسوم بعد شهر وتسلم عطية الإمارة بعد تردد. ويذكر المؤرخون أن المدينة عاشت ثلاث عشرة سنة في أحسن حال بسبب حسن سياسته، وكرم أخلاقه، وزهده في المكاسب الدنيوية، واهتمامه بشؤون الناس، وقد أسقط الضرائب التي فرضها أسلافه على أهل المدينة، والوافدين إليها، والتجار والمزارعين، وطلب معونة من السلطان المملوكي لتغطية نفقات الإمارة، فاستجاب له السلطان، واهتم بدروس العلم في المسجد النبوي وقرر دروساً في المذاهب الأربعة، وأجرى للمدرسين والقرّاء رواتب مناسبة، وأعطى الفقراء ما كان يرد لهم، وعاش هو وأسرته حياة زهد وتقشف فينفق عليهم من ماله الخاص، ويضيف المؤرخون أنه صلح بصلاحه أقاربه ومساعدوه، ونَعِمَ أهل المدينة بالأمن والعدل والخصب. وبعد موت عطية عام 773 هـ عاد الصراع ثانية بين أفراد الأسرة، وأججه تعجل السلطان المملوكي بإصدار مرسوم تعيين الأمير من غير أن يكون أهلاً لذلك، ملتفتاً إلى الوساطات والهدايا معرضاً عن رأي الأسرة لأخذ رأيها فيمن يصلح للإمارة، فيوسد الأمر لغير أهله وتقع الفتن والاضطرابات بين المتنافسين. فقد وفد جماز بن هبة بن جماز على السلطان، ونجح في استصدار مرسوم بتوليه الإمارة، وكان عطية قد أناب عنه أخاه نعير بن منصور، فحاول مقاومته، ونشب قتال بين الفريقين، وقتل نعير وتولى جماز الإمارة، ودخل مرحلة صراع جديدة، واستطاع خصمه ثابت بن نعير أن يستصدر مرسوماً ليعزله. فتحول إلى خصم عنيد لثابت ورحل إلى منطقة خارج المدينة، فتحصن بها، وأخذ يغير منها على المدينة في محاولة لاستعادة الإمارة، والانتقام من ثابت. وقبض عليه بأمر السلطان، وسجن في مصر سبع سنوات ثم أطلق سراحه، وأعيد إلى الإمارة فحسنت سيرته أول الأمر، ولكنها ساءت بعد حين عندما قلّت موارده المالية. وأصدر السلطان المملوكي مرسوماً بعزله. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
راديو قصيمي نت | مطبخ قصيمي نت | قصص قصيمي نت | العاب قصيمي نت |